روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر)، فهذه الأشياء مكفرات للصغائر، أما الكبائر كالقتل وأخذ المال الحرام سرقة أو غصباً أو نهباً أو اختلاساً أو أي نوع من أنواع أكل المال الحرام كالرشوة وغيرها، وكذلك القذف أو الزنا أو غيره من كبائر الذنوب فليست من هذا الباب، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من وقع في شيء مما ذكر أنه ملعون، ومغضوب عليه، ومعذب عند الله سبحانه، فالذي يغفر هنا بالصلوات هو صغائر الذنوب فقط، أما الكبائر فلا بد لها من توبة خاصة، وهو أن يتوب بإعادة المظالم إلى أهلها إن كان أخذ شيئاً من العباد ويتحلل من أصحابها، ويندم على ما فعل، ويعزم على ألا يرجع إلى ذلك.
وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة؛ فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت الكبيرة، وذلك الدهر كله).
وهذا من الأحاديث العظيمة التي تريح المؤمن إذا وقع في المعصية، واحتاج لمن يأخذ بيده حتى يرجع عن هذه المعصية ويتوب إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.
فعلى الإنسان أن يتوب إلى الله فإنه حيي كريم يستر عبده ويتوب عليه، ويلهمه ويرزقه التوبة فيتوب إلى الله عز وجل فيقبل توبته.
فالصلوات الخمس كل صلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى، والإنسان بين الصلوات قد تحدثه نفسه بشيء أو قد يتلبس بمعصية، وقد ينظر إلى شيء أو يمد يده إليه، وغير ذلك من صغائر الذنوب التي قد يقع فيها، ولعله يتذكر ويتوب، ولعله ينسى، فإذا جاء إلى الصلاة تاب إلى الله مما يعرف ومما لا يعرف من ذنوبه، فيركع ويسجد ويدعو ربه سبحانه في السجود، وما بين السجدتين يقول: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني واجبرني وارفعني، ويدعو بالمغفرة وهو ساجد أو راكع: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، فيغفر الله له، ولذلك كانت الصلوات من الصلاة إلى الأخرى كفارة لما بينهما بشرط ألا يكون الإنسان قد وقع في الكبائر.
إذاً: الوضوء والصلاة والنوافل كفارة لذنوب العبد، وكذلك الجمعة إلى الجمعة كفارة للذنوب، ففي حديث عثمان: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها)، هذه هي الصلاة المقصودة بقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وهي الصلاة التي يريدها الله عز وجل، والتي علمنا إياها النبي صلوات الله وسلامه عليه، فإذا قام العبد فأتقن الوضوء ولم يسرف في الماء بل توضأ بالقدر الذي يكفيه، وأسبغ الوضوء في البرد والحر والشتاء والصيف والليل والنهار، ثم دخل في الصلاة فأحسن خشوعها وركوعها، وكأنه صلى الله عليه وسلم ينبه على هيئات الصلاة من الركوع والسجود وغيرها من أفعال البدن، ثم الخشوع الذي هو من أفعال القلب، فإذا أحسن العبد فقد أتى بالصلاة التي يكفر الله عز وجل بها عنه من الذنوب والخطايا.
قال: (إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت الكبيرة)، أي: هذه كفارة لما قبلها من صغائر الذنوب، ولكن لا يتساهل الإنسان في صغائر الذنوب، فإنه لا يدري هل هذه الصلاة هي التي أراد الله عز وجل أم لا؟ فيخرج من صلاته وهو لا يعرف هل أحسن أو أساء فيها؟ فينبغي على الإنسان ألا يغتر بصلاته، ولا بسعة رحمة رب العالمين، ولكن يعمل ويرجو، ومع ذلك يخاف من الله سبحانه تبارك وتعالى.
ثم قال في الحديث: (وذلك الدهر كله)، أي: في عمرك كله ما دمت تصلي وتحسن الصلاة كما يريد الله عز وجل منك، فلك من الله أن يغفر لك.