قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، فالجزاء من جنس العمل، إن تعمل خيراً فإن الله عز وجل سيجزيك الخير على الخير، ومن الخير الذي يفعله المؤمن: أن يفرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا، والكربات في الدنيا كثيرة، لكن الكربات يوم القيامة أعظم وأكبر، فالإنسان يعمل لغد يعمل ليوم القيامة يعمل لـ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].
فالدنيا دار العمل ودار التكليف والعبادة والطاعة لله سبحانه وتعالى، فالمؤمن حين ينفس عن أخيه كربة من كربات الدنيا يعلم أن أمامه كربات كثيرة في الدنيا والآخرة، والدنيا دار الآفات والابتلاء، وإن كنا اليوم في نعمة فلا يمنع أن نكون غداً في مرض وتعب، فالله عز وجل بيده مقاليد الأمور، فاعمل لغدك، واعمل حتى إذا دعوت الله كان لك عمل صالح تسأل الله عز وجل به؛ فيفرج عنك في الدنيا والآخرة.
يقول: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا).
فالمؤمن ينفع الناس وخاصة المؤمنين، فيفرج عن أخيه المؤمن بما يستطيع، فيشفع له عند إنسان له عنده حاجة كأن يقضي عنه دينه وكأن يطرد عنه جوعه، وكأن يعينه على حاجة من حوائجه، وكأن يفرج عنه كربة من الكربات ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، والجزاء قال صلى الله عليه وسلم: (نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة).
ومثله من يسر على معسر، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، التنفيس هو: التفريج، والتيسير: كأن تسهل على إنسان كان مكروباً ومتضايقاً من أمرٍ من الأمور.
والحقيقة أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الأول وما ذكره في الثاني كل واحد منهم قريب من الآخر وإن كان قد يفرق بينهم بأشياء، لكن وإن لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأول: فرج الله عنه بها كربة من كربات الدنيا، فهي منصوصة في الثاني، قال: (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا وفي الآخرة).
من نفس عن مؤمن كربة، ولو بالكلام الطيب، ولو بالتسلية والمواساة والتعزية تنفس عنه بأن تعينه بمالك أو بعملك أو بالشفاعة له عند إنسان فتزيل عنه الكربة، وتيسر عليه أمراً كان عسيراً عليه، فأجرك يوم القيامة أن يكشف الله عز وجل عنك كربة من كربات يوم القيامة، وفي الدنيا ييسر عليك سبحانه وتعالى.
ومن التيسير على المعسر أن تفعل كما قال الله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، إنسان في عسر وضيق وشدة ومحتاج لمال يسرت عليه بأن أقرضته، أو أعنته، أو شفعت له عند صاحب الدين حتى يؤخر عنه المطالبة، فهذا تيسير على معسر، ولو أن إنساناً استدان منك وعرفت أنه في عسرة ففرجت عنه، وتنازلت له عن الدين، أو تصدقت به عليه، أو جعلته يرد عليك هذا الدين بالتقسيط فإن الله عز وجل سوف ييسر عليك.
ومستحيل أن تعامل الناس باليسر ويعاملك الله عز وجل بالعسر، فهذا لا يكون أبداً، فالله سبحانه الذي أمر بالإحسان وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90]، هو الذي يقول: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، فالذي يفعل الإحسان له الحسنى وزيادة من الرب الكريم سبحانه، فإذا يسرت على إنسان معسر في الدنيا فإن الله ييسر عليك في الدنيا والآخرة.