الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب النفقة على العيال.
قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233].
وقال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
وقال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)، رواه مسلم].
هذا باب النفقة على العيال، والنفقة من الإنفاق، يعني: الإخراج للمال لأجل أولاده أو زوجته أو من يقوم بالنفقة عليهم، وغير ذلك ممن يتكفل الإنسان بمعونتهم.
قال الله عز وجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233].
يعني: على الأب أن ينفق على أولاده وعلى زوجاته، وهذا الرجل إذا طلق امرأته وهي حامل أو وهي ترضع الصبي فيلزمه أن ينفق عليها خلال فترة الرضاعة أو خلال فترة الحمل، فإذا كانت النفقة للمطلقة فكيف بالزوجة التي هي معك، فهي من باب أولى.
لم يكلفنا الله سبحانه وتعالى ما لا نطيق، وإنما أمر بالإنفاق مما يقدر الإنسان عليه، ولذلك يقول لنا في سورة الطلاق: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7]، أي: إذا وسع ربنا على الإنسان فلينفق من السعة، {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7]، أي: من ضيق عليه رزقه {فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7].
إذاً: هنا لم يكلف الإنسان الفقير أن ينفق نفقة الغني، ولا الإنسان الغني أن يضيق ويقتر، بل الإنسان الغني ينفق من سعته، والإنسان الفقير ينفق مما أعطاه الله سبحانه، ورحمة ربنا عظيمة جداً، قال سبحانه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، وقال لنا: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، أي: على قدر طاقة الإنسان وقدرته، فلا يكلف الله الإنسان أكثر مما يطيق.
بل من رحمته سبحانه أنه كلف الإنسان الشيء الذي يطيق أكثر منه، فقال لنا: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، ولما فرض علينا الصلاة فرض خمسين صلاة، وبعد هذا نزلت إلى خمس، والإنسان يصلي الفريضة ويصلي النوافل، فهو يقدر أن يصلي أكثر من خمس صلوات في اليوم، فربنا لم ينظر إلى قدرة الإنسان، وإنما نظر إلى طاعة الإنسان وإلى الاستمرارية في ذلك، فكلفه بأقل مما يطيق، خمس صلوات فقط في اليوم والليلة.
كذلك في النفقة لا يكلفك شططاً، ولا يكلفك ما لا تقدر عليه، ولكن في حدود المعروف تنفق على المرأة من الطعام والشراب والكسوة والسكنى، لا تزيد ولا تنقص.
قال الله سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [سبأ:39]، (ما) يعني: أي شيء تنفقه سواء كان قليلاً أو كثيراً لك أجره عند الله عز وجل، باحتسابك النية في ذلك.
قال: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]، أي: يخلف عليك غيره، فأنت كلما أنفقت نفقة جاءت غيرها من الله سبحانه، وكلما بخل الإنسان وبدأ يقصر في النفقة الواجبة عليه عومل بما يفعله، بأن يملأ قلب الإنسان بالفقر، ويجد فقره بين عينيه، ولذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه من حديث أبي هريرة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) أي: ينبغي الثقة في رزق الله سبحانه، وذلك بأن ينفق الإنسان وهو واثق بأن ربنا سيخلف عليه، ولا يقول: من أين يعطيني.
انظر أنه عندما يتزوج الإنسان يأتيه الرزق والبركة، لكن كون الإنسان يقول لما يريد أن يتزوج: من أين سأتزوج؟ نقول: اسع في طلب الرزق، ولست مأموراً أن تتزوج وأنت فقير، ولكن إن كنت تريد أن تعف نفسك فثق أن الله يعينك، لكن اخرج وابحث عن عمل وابحث عن رزق حلال، وثق في أن الله سيعفك وسيعطيك من فضله ومن كرمه سبحانه.
وتلقى كثيراً ممن تزوجوا يقول لك: أنا يوم ذهبت لأخطب ما كنت أجد نقوداً، ثم فتح الله عليّ فوجدت رزقاً.
نقول: كن على ثقة في رزق الله، واترك الحرام، واعلم أن رزقك مكتوب من ساعة ما خلقك الله سبحانه، ولا تقل مثلاً: أنا أشتغل في شركة خمور، وعندي عيال! فإن عليك أن تبحث عن الرزق الحلال، وأن تبتعد عن الحرام ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، أما أن تقول: ليس أمامي غير هذا العمل، كأنك أنت الذي ترزق نفسك، فلا، بل عليك أن تبحث عن أسباب الرزق الحلال، خذ بالأسباب ودع النتيجة على الرزاق الكريم سبحانه وتعالى، وهل تظن أنك تطيع ربنا سبحانه فيضيق عليك ولا يعطيك؟! الطاعة من ورائها الخير العظيم من الله سبحانه، فهو يرضى عنك ويرضيك ويعطيك.
وقد قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] ولقد أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم وأرضاه وكذلك كل من يطيعه سبحانه وتعالى يعطيه ويرضيه، لكن اصبر وابحث عن الحلال وابحث عن أسباب الرزق وسيأتيك رزقك الذي كفله الله عز وجل لك.
قال في الحديث: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان) ينزل ملك لا يعصي الله سبحانه وتعالى، هو ملك خلقه الله عز وجل لهذه المهمة، ينزل من أجل أن يدعو لإنسان، وملك آخر يدعو على إنسان، الأول يدعو ويقول: (اللهم أعط منفقاً خلفاً)، أي: الذي ينفق ابتغاء وجهك يا رب! فاخلف عليه، والثاني يقول: (اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، أي: الذي يمسك ويمتنع عن النفقة الواجبة مع القدرة فضيق عليه، فهنا الملك يدعو عليه، ولا ينزل الملك من أجل أن يدعو دعوة غير مستجابة، بل هذا الملك خلقه الله عز وجل لذلك، فالله يستجيب هذا الدعاء.
فاحرص على أن تنفق من سعتك مما قدرك الله سبحانه، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، وورد في الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها جاءتها سائلة تسأل فأعطتها تمرة، يعني: لم تجد في البيت سوى تمرة، فأعطتها الفقيرة، فكان لها أجرها.