بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد: فقد سبق الحديث عن الطائفة الثانية من طوائف الضالين في الحقيقة الكونية، وهي الطائفة التي قسمت الناس إلى عامة وخاصة، فأما العامة فهم ملزمون بأحكام الشرائع، وأما الخاصة فهم الذين سقط عنهم التكليف -كما يظنون- بسبب التعبد الذي تعبدوه.
أما الطائفة الثالثة فهم أقل غلواً من الطائفة السابقة، فهم لا يرون أن التكاليف تسقط بالكلية عن كل الناس, بل إنهم يتميزون بأنهم يعملون الفرائض المشهورة، ويجتنبون المحرمات المشهورة، لكن فهموا أن القدر يقتضي سقوط الأسباب والتعامل معها، وفهموا أنهم يتركون الأمور بطبيعتها، وانحرفوا في فهمهم للأسباب كما سيأتي بيانه -إن شاء الله- في كلام الشيخ.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن هؤلاء -يعني: من الضالين- طائفة هم أعلاهم عندهم قدراً] يعني: لمكانتهم، وهم الذين أضافوا إلى التصوف اشتغالهم بعلم الكلام النظري العقلي الجدلي.
[وهم مستمسكون بما اختاروا بهواهم من الدين في أداء الفرائض المشهورة واجتناب المحرمات المشهورة, لكن يضلون بترك ما أمروا به من الأسباب التي هي عبادة, ظانين أن العارف إذا شهد القدر أعرض عن ذلك، مثل: من يجعل التوكل منهم أو الدعاء ونحو ذلك من مقامات العامة دون الخاصة، بناء على أن من شهد القدر علم أن ما قدر سيكون].