يقلد، والذي شهر هذا الكلام كله، وجعل له وقع في واقع طلاب العلم هو ابن الصلاح، الذي عنده أن الاجتهاد انقطع، وليس للمتأخرين أن يصححوا ولا يضعفوا، إذاً يهتمون بكلام أبي داود، إذا قال: صالح معناه صالح، فنقلد أبا داود مع الخلاف في معنى الصلاحية، وعلى كل حال طالب العلم المتأهل له أن ينظر، بل عليه أن ينظر في الأسانيد والمتون وينظر في الرجال، وينظر في السند من حيث الاتصال والانقطاع، وينظر في المتن من حيث الموافقة والمخالفة والعلة والشذوذ، وحينئذٍ يحكم بالحكم اللائق على كل حديث حديث.
يقول: "وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض" ما لم يذكر فيه شيء هذا يؤكد ويؤيد المفهوم الذي أبديناه سابقاً لجملته السابقة: أن ما فيه ضعف شديد يبينه، ويفهم منه أن ما لا بيان معه فإنه في حيز الصالح؛ لأنه يقول: وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، إذا لم يبين فالمسكوت عنه منه الصحيح، بل منه المخرج في البخاري ومسلم، ومنه المخرج في البخاري فقط، ومنه المخرج في مسلم فقط، ومنه ما يصح إسناده ومتنه مما لم يخرج في الصحيحين، ومنه ما هو حسن صالح
للاحتجاج، ومنه ما هو ضعيف صالح للاعتبار، لكن ضعفه غير شديد؛ لأنه لم يلتزم البيان إلا في حال الضعف الشديد، إذاً الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج أو للاستشهاد، وعلى كل حال الاحتجاج عنده واسع، فهو يحتج بالحديث المرسل إلا إذا لم يكن في الباب غيره، ويحتج بالحديث الذي وهنه ليس بشديد إذا لم يكن في الباب غيره.
كلام أبي داود هذا قال فيه أبو الفتح اليعمري ابن سيد الناس قال: إنه مثل كلام الإمام مسلم في مقدمته، يقول: إن الحديث قد لا يوجد عند الطبقة العليا من الرواة الحفاظ الضابطون المتقنون، قد لا يوجد عندهم، فيحتاج مسلم إلى أن ينزل إلى مثل عطاء، وليث بن أبي سُليم ويزيد وغيرهم.
يقول الحافظ العراقي:
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما
يعني مثل كلام مسلم.
حيث يقول جملة الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلا
فاحتاج أن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ