عطاء بن السائب وليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد، قد نص عليهم في المقدمة؛ لأنه قد ينزل إلى حديث هؤلاء، فعلى هذا الأحاديث عنده درجات، والرواة عنده في صحيحه طبقات، إذاً ما الفرق بينه وبين قول أبي داود: "إن ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض" يعني بعضها غاية في الصحة، وبعضها دون ذلك، وبعضها من قبيل ما يحتج به، إلا أنه لا يصل إلى درجة الصحيح كالحسن، وبعضها فيه ضعف، لكنه ليس بشديد، كل ما سكت عنه على هذا التقسيم.
ابن الصلاح وتبعه الحافظ العراقي قالوا: إن ما سكت عنه أبو داود فهو حسن؛ لأن الصلاحية هذه دائرة بين الاحتجاج والاستشهاد، فلا يمكن أن يعطى لفظ واحد أعلى ما دام فيه شيء ينزله عن درجة الأعلى؛ لأن الواقع يشهد بأن ما سكت عنه ليس بأعلى الدرجات، كما أنه ليس بأنزل الدرجات لأنه صالح، ولذا حكم عليه ابن الصلاح بأنه حسن، لا يعطى الدرجة العليا ولا الدرجة الدنيا، وتوسط في أمره وهو حسن، وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أنه وقف على نسخة من رسالة أبي داود -رحمه الله- أنه قال: "وما لم أذكر فيه شيئاً فهو حسن" ولذا قال ابن الصلاح: "ما سكت عنه فهو حسن".
الحافظ العراقي يقول:
قال - يعني ابن الصلاح-
قال: ومن مظنة للحسنِ ... جمع أبي داود أي في السننِ
حيث يقول: ذكرت فيه ... ما صح أو قارب أو يحكيه
الصحيح، وما يقاربه، وما يشبهه، ذكر الصحيح وما يقاربه وهو الحسن، وما يشبهه ما يقرب منه، واستدرك ابن سيد الناس الاستدراك الذي ذكرناه، يقول: إن أبا داود أحاديثه متفاوتة، فيها ما هو في أعلى الصحيح، وما دونه، وما دونه، ومسلم قسم روايات الصحيح وطبقات رجال الصحيح إلى الطبقات الثلاث، فما الفرق بين صنيع أبي داود وصنيع مسلم؟
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما
حيث يقول جملة الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلا
فاحتاج أن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ
يقول: ما دام هذا التفاوت وهذا التدرج موجود عند مسلم، وموجود عند أبي داود، إذن إيش الفرق؟
هلاَّ قضى على كتاب مسلمِ ... بما قضى عليه بالتحكمِ