إذا قلنا بهذا لأن بعض كتب الفقه فيها موضوعات؛ لأنهم لم يتفرغوا لهذا الشأن، فلا عبرة بوجود الخبر في كتبهم، إنما العبرة بما ينطقون به وينقلونه عن أئمتهم.
النووي -رحمه الله تعالى- ينقل الاتفاق في مقدمة الأربعين وفي الأذكار اتفاق أهل العلم على العمل بالضعيف في الفضائل، مع أن الخلاف معروف ومأثور، وهو مقتضى صنيع البخاري ومسلم، وأبو حاتم لا يحتج بالحسن فضلاً عن الضعيف، فهل يقال: هناك اتفاق مع وجود هذا الخلاف؟ سئل عن راوٍ فقال: حسن الحديث، قيل: تحتج به؟ قال: لا، أتحتج به؟ قال: لا، فالمعروف من مذهبه أنه لا يحتج بالحسن فضلاً عن الضعيف، فالخلاف في قبول الضعيف حتى في الفضائل معروف عند أهل العلم.
بعض العلماء يبالغ فيقول: إن المرسل أقوى من المسند، وهذا نسبه ابن عبد البر في مقدمة التمهيد إلى من شذ، ولا شك أنه قول شاذ، وعلته واهية، يقول: إن من أسند قد ضمن، ضمن لك أن من حذفه ثقة؛ لأنه لو لم يكن ثقة لكان غاشاً للأمة، والمسألة مفترضة في راوٍ ثقة يرسل، والثقة لا يتصور منه أن يغش، من أرسل فقد ضمن، ومن أسند فقد ألقى عليك بالتبعة، يعني ابحث أنت، وضمانه خير من بحثك، لكنها حجة وعلة عليلة، لا يستند إليها، ولا يعول عليها، لكن الذي استقر عليه العمل هو عدم قبول المراسيل.
فإذا لم يكن مسند ضد المراسيل ولم يوجد المسند، أي ما يوجد مسند يخالف هذا المرسل؛ ولا يوجد في الباب مسند غير هذا المرسل، فالمرسل يحتج به، يعني يحتج بالمرسل إذا لم يجد في الباب غيره، بل يحتج بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وهو أيضاً مأثور عن الإمام أحمد، رواية عن الإمام أحمد أنه يقول: يحتج بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره.
ويذكر عن أبي حنيفة أنه أقوى من رأي الرجال، ينقله الحنفية عن إمامهم، يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة، المرسل ليس مثل المتصل خلافاً لمن زعم أنه يفوقه أو مثله، وليس الضعيف مثل الصحيح في القوة، فعند التعارض لا تردد في ترجيح المتصل، ولا تردد في ترجيح الصحيح.