المقصود أنه إذا وجد حرف عدي به هذا الفعل والعادة أنه يعدى بغيره من الحروف، أو يتعدى بنفسه لا بد أن نضمن الفعل معنى فعل يتعدى بنفس الحرف المذكور، والذي معنا رسالة فكأنه قال: "أرسل إليكم، أو أبعث إليكم" هذا ظاهر، كأنه يبعث في هذه الرسالة إليهم أنه يحمد الله الذي لا إله إلا هو، وهذا أقرب من كونه يحمد معهم؛ لأنه ليس بينهم، وليس عندهم؛ لأنه أرسل إليهم هذه الرسالة.

"أما بعد" فـ (أما) حرف شرط، و"بعد" قائم مقام الشرط مبني على الضم؛ لما ذكر سابقاً من أنها ... ، لأن المضاف إليه محذوف مع نيته، فيبنى على الضم، ويختلف أهل العلم في أول من قال: "أما بعد" على ثمانية أقوال، يجمعها قول الناظم:

جرى الخلف "أما بعد" من كان بادئاً ... ويعقوب وأيوب الصبور وآدم

بها عد أقوام وداود أقربُ ... وقس وسحبان وكعب ويعربُ

"عافانا الله وإياكم" الأصل أن يكون جواب أما مقترناً بالفاء، ولذلك أنا على شك في موضع "أما بعد" هنا، فإما أن يقال: إنها قبل هذا الموضع بسطر "أما بعد فإني أحمد إليكم" أو تكون الجملة التي بعدها مقترنة بالفاء؛ لأنها من لازمها أن تقترن بالفاء.

"أما بعد" وقلنا: إنها بهذه الصيغة "أما بعد" جاء فيها أكثر من ثلاثين حديثاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنها لا تحتاج إلى (ثم) كما يقول بعضهم، وهي موجودة (ثم) في تفسير الطبري، وهو في أول القرن الرابع، والمحقق محمود شاكر، وهو من أهل المعرفة بالأساليب العربية يقول: إن الطابع حذف (ثم) لجهله بالأساليب العربية، ونحن نقول: (ثم) لا داعي لها، ولم تذكر ولا في حديث واحد عن النبي -عليه الصلاة السلام-، وقد صح عنه أكثر من ثلاثين حديثاً في "أما بعد" فلا داعي لـ (ثم) ولو استعملها أبو جعفر بن جرير، وهو إمام من أئمة اللغة؛ لأن لنا قدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما ذكر (ثم)، وأما إبدال (أما) بالواو، كما يفعله المتأخرون، وهذه حادثة، إبدال (أما) بالواو حادثة في القرن العاشر، يعني أول من وقفت عليه ممن استعمالها متأخر.

وفي شرح الزرقاني على المواهب قال: إن الواو تقوم مقام (أما) ولا داعي لما يقوم مقام مع إمكان الأصل، والاقتداء إنما يتم بقولنا: "أما بعد".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015