الْمَعْنى يَقُول إِذا برقتْ سيوفي فِي حَرْب أعدائي فَإِن ضوءها يزِيد على ضوء بروق السَّحَاب حَتَّى تنسى النَّاس البروق وَيكثر مَعَ ذَلِك سيلان الدِّمَاء حَتَّى تَسْتَغْنِي الْبِلَاد عَن الأمطار بِمَا صبه من الدِّمَاء وَهَذَا كَلَام مشبع بالحماقة حَتَّى لَو قَالَه أحد بنى بويه أَو بنى أرتق أَو بنى أَيُّوب لنسب إِلَى ذَلِك وهم مُلُوك الأَرْض وحملتها وأرباب الْمَغَازِي وولاتها
26 - الْغَرِيب ردى من ورد المَاء والحياض جمع حَوْض وَهُوَ مَا يسقى فِيهِ الْإِبِل وَغَيرهَا وَالشَّاء جمع شَاة وَالنعَم يُقَال هُوَ وَاحِد الْأَنْعَام وَقيل النعم يُرَاد بِهِ الْإِبِل خَاصَّة ويروى حوباء واتركي والحوباء النَّفس وَحذف على هَذِه الرِّوَايَة حرف النداء وَأَرَادَ يَا حوباء ويروى يَا نفس بِالرَّفْع وَيُرِيد بِهِ نَفسه فَلهَذَا رَفعهَا الْمَعْنى يَقُول ردى المهالك والحروب واتركي خوف وُرُود الْهَلَاك للأهام وَالشَّاء الَّتِي لَا تقَاتل عَن نَفسهَا وَقَالَ ابْن القطاع قد صحف هَذَا الْبَيْت جمَاعَة فرووا حِيَاض خوف الردى بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ لي شَيْخي قَالَ لي صَالح بن رشدين لما قَرَأت هَذَا الْبَيْت قرأته بِالْحَاء الْمُهْملَة فَقَالَ لي لم أقل كَذَلِك قلت فَكيف قلت قَالَ قلت خياض بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة لِأَنِّي لَو قلته بِالْمُهْمَلَةِ كنت قد نقضت قولي ردى حِيَاض الردى فَإِنَّهَا هِيَ حِيَاض خوف الردى وكل من ورد المَاء فَلَا بُد أَن يخوضه إِمَّا بيد أَو فَم وَالْمعْنَى ردى يَا نفس حِيَاض الْمَوْت فَإِن الْمَوْت فِي الْعِزّ حَيَاة واتركي حِيَاض خوف الردى للحيوان الَّذِي لَا يعقل وَلَو قَالَ المتنبي خياض غير الردى بِالْخَاءِ أَو قَالَ واتركي وُرُود خوف الردى الخ لم يحْتَج إِلَى هَذَا إِلَّا أَن مذْهبه أَنه يغمض مَعَانِيه حَتَّى لَا يفهمها إِلَّا الْعلمَاء
27 - الْمَعْنى يَقُول لنَفسِهِ إِن لم أدعك سَائِلَة الدَّم على الرماح أَي لم أحضر الْحَرْب حَتَّى يسيل الدَّم من جَسَدِي على الرماح فَلَا دعيت أَخا الْمجد وَالْكَرم وَهُوَ من قَول ابْن أَيُّوب
(إِن تَقْتُلوُني فَآجالُ الكُماةٍ كَمَا ... خُبِرتُ قَبْلُ وَما بالقتلِ منْ عارِ)
(وَإن نَجوْتُ لوَقتٍ غَيرِهِ فَعَسَى ... وكُلُّ نَفْسٍ إِلَى وَقْتٍ وَمِقْدَارِ)
28 - الْإِعْرَاب لحم فَاعل أيملك أَي يملك لحم على وَضم الْملك الْغَرِيب الْوَضم كل شَيْء يوضع عَلَيْهِ اللَّحْم وَيضْرب مثلا للضعيف الَّذِي لَا امْتنَاع عِنْده وَفِي الحَدِيث النِّسَاء لحم على وَضم إِلَّا ماذب عَنهُ والظامئ العطشان الْمَعْنى يَقُول لَا يملك الْملك ضَعِيف لَا يمْتَنع وَلَا يدْفع عَن نَفسه والأسياف عطاش إِلَى دَمه وَالطير لم تشبع من لَحْمه قَالَ أَبُو الْفَتْح يُرِيد أَن مُلُوك عصره لَيْسَ فيهم من يدْفع عَن نَفسه وَقَالَ الْخَطِيب أيملك الْملك قوم أذلاء كَاللَّحْمِ على الْوَضم وأسيافنا ظامئة إِلَى دِمَائِهِمْ وَالطير جائعة وَلَا نشبعها مِنْهُم قَالَ الْوَضم الْخَشَبَة الَّتِي يقطع عَلَيْهَا اللَّحْم
29 - الْإِعْرَاب من بدل من قَوْله لحم على وَضم يُرِيد أيملك من لَو رَآنِي الْغَرِيب مثل ظهر وَغَابَ وَهُوَ من الأضداد الْمَعْنى يَقُول من لَو رَآنِي وَهُوَ عطشان مَاء لمَنعه خَوفه مني أَن يشرب فَيَمُوت عطشا وَلَو رَآنِي فِي الْمَنَام لهجر النّوم خوفًا من أَن يراني فِي النّوم وَفِيه نظر إِلَى قَول مُسلم
(فَإِذا تَنَبَّهَ رُعْتَهُ وَإذَا غَفا ... سَلَّتْ عَلَيْهِ سُيُوفَكَ الأحْلامُ)
30 - الْغَرِيب رَقِيق الشفرتين هُوَ الَّذِي رقت مضاربه بِكَثْرَة الصقل الْمَعْنى يَقُول ميعاد الْأَعْدَاء غَدا أحاربهم وأقود إِلَيْهِم الجيوش وَمن عصى أَي من عَصَانِي الْمَعْنى يَقُول إِن أطاعوني وَأَجَابُوا إِلَى مَا أدعوهم إِلَيْهِ فلست أقصدهم بسيوفي وَإِنَّمَا أقصد غير مُطِيع فَأَقْتُلهُ بهَا وَإِن أدبروا عني فَلَا أقتصر على قَتلهمْ وحدهم بل أقتلهم وقوما آخَرين