- الْإِعْرَاب قَالَ أَبُو الْفَتْح لَا يُقَال أسود من كَذَا لِأَن الألوان لَا يَبْنِي مِنْهَا أفعل التَّفْضِيل وَفعل التَّفْضِيل وَفعل التَّعَجُّب على أَن الْكُوفِيّين قد حكى عَنْهُم مَا أسود شعره وَمَا أبيضه فَإِن صَحَّ هَذَا فَإِنَّمَا جَازَ لِكَثْرَة استعمالهم هذَيْن الحرفين وَأما قَول الراجز
(جارِيَةٌ فِي دِرْعِها الفَضْفاضِ ... أبْيَضُ مِنْ أختِ بَنِي إباضِ)
وَقَول طرفَة
(إِذا الرّجالُ شَتَوْا وَاشْتَدَّ أكْلُهُمُ ... فأنْتَ أبْيَضُهُمْ سِرْبالَ طَبَّاخِ)
فَإنَّا نقُول هُوَ أفعل الَّذِي مؤنثه فعلاء وَمَا هُوَ أفعل الَّذِي تصحبه من الَّتِي للمفاضلة فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك هُوَ أحسن الْقَوْم وَجها وَأكْرمهمْ أَبَا فَكَأَنَّهُ قَالَ مبيضهم وَهَذَا أحسن من حمله على الشذوذ وَيُمكن أَن يكون لأَنْت أسود فِي عَيْني كلَاما تَاما ثمَّ ابْتَدَأَ من الظُّلم كَمَا تَقول هُوَ كريم من أَحْرَار وسرى من أَشْرَاف فَمن فِي مَوضِع نصب على الْحَال وَفِي عَيْني فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا وصف لأسود كَقَوْل الآخر
(وَأبْيَضُ منْ ماءِ الحَديدِ كَأنَّهُ ... شِهابٌ بَدَا وَالليْلُ دَاجٍ عَساكُرُهُ)
فَمن مَاء الْحَدِيد وصف لأبيض وَلَيْسَ مُتَّصِلا بِهِ كاتصال من بِخَير فِي قَوْلك هُوَ خير مِنْهُ وكقول الآخر
(ولمَّا دَعانِي السَّمْهَرِى أجبتهُّ ... بِأبْيَض مِنْ مَاء الَحديِدِ صَقيِلِ)
فَمن فِي مَوضِع جرّ وصف لأبيض كَأَنَّهُ قَالَ بأبيض كَائِن من مَاء الْحَدِيد وَقَالَ الْعَرُوضِي أسود هُنَا وَاحِد السود وَالظُّلم اللَّيَالِي الثَّلَاث فِي آخر الشَّهْر الَّتِي يُقَال لَهَا ثَلَاث ظلم يَقُول أَنْت عِنْدِي وَاحِد اللَّيَالِي الظُّلم هَذَا مَا قيل فِي إعزاب الْبَيْت وَهُوَ مَجْمُوع كَلَام ابْن جنى وَابْن القطاع والواحدي والخطيب وَكلهمْ ذكر كَلَام أبي الْفَتْح وَأما قَول أَصْحَابنَا الْكُوفِيّين فِي جَوَاز مَا أَفعلهُ فِي التَّعَجُّب من الْبيَاض والسواد خَاصَّة من دون سَائِر الألوان فالحجة لَهُم فِيهِ مَجِيئه نقلا وَقِيَاسًا فَأَما النَّقْل فَقَوْل طرفَة وَهُوَ إِمَام يستشهد بقوله فَإِذا كَانَ يرتضى بقوله فَالْأولى أَن يرتضى بقوله فِي كل مَا يصدر عَنهُ وَلَا ينْسب هَذَا إِلَى شذوذ وَقَول الآخر
(أبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَني إباضِ ... )
وَأما الْقيَاس فَإِنَّمَا جوزناه فِي السوَاد وَالْبَيَاض لِأَنَّهُمَا أصلا الألوان ومنهما يتركب سَائِر الألوان وَإِذا كَانَا هما الأصليين للألوان كلهَا جَازَ أَن يثبت لَهما مَال لم يثبت لسَائِر الألوان الْغَرِيب بَعدت هَلَكت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَلا بعد الْمَدِين كَمَا بَعدت ثَمُود}