- الْإِعْرَاب تمّ الْكَلَام عِنْد المصراع الأول ثمَّ استفهم فنصب أحلم لِأَنَّهُ جَوَاب بِالْفَاءِ كَقَوْلِك من أمكنه أَن يطلع إِلَى النُّجُوم فَأطلع إِلَيْهَا وَهَذَا لَا يُسْتَطَاع الْمَعْنى يَقُول أَنا أرى الشَّيْء على حَقِيقَته وَكَأَنِّي فِي نوم والنائم لَيْسَ بَصَره ثَابتا وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل استعظاما لرُؤْيَته وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان إِذا رأى شَيْئا يُعجبهُ وَأنكر رُؤْيَته قَالَ أرى هَذَا حلما يُرِيد أَن مثل هَذَا لَا يرى فِي الْيَقَظَة وَهُوَ كَقَوْل الآخر

(أبْطَحاءُ مَكَةَ هَذا الَّذِي ... أرَاهُ عيَانًا وَهَذاً أَنا)

وَقَالَ الواحدي استفهم مُتَعَجِّبا مِمَّا رأى ثمَّ حقق أَنه رأى ذَلِك يقظان لَا نَائِما يدل على هَذَا بَاقِي الْبَيْت وَالْمعْنَى لَا يحلم أحد بِرُؤْيَة الله تَعَالَى وَلَا يرَاهُ فِي النّوم أحد حَتَّى أَرَاك أَنا أَي كَمَا لَا يرى الله فِي النّوم كَذَلِك لَا ترى أَنْت وَهَذِه مُبَالغَة مذمومة وإفراط وَتجَاوز حد ثمَّ هُوَ غلط فِي إِنْكَار رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي النّوم فَإِن الْأَخْبَار قد تَوَاتَرَتْ بذلك وَقد ذكر المعبرون حكم تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي كتبهمْ ويروى أَن ملكا من الْمُلُوك رأى فِي نَومه أَن الله تَعَالَى قد مَاتَ فَقص رُؤْيَاهُ على المعبرين فَلم يتكلموا فِيهَا بِشَيْء استعظاما لما رآى حَتَّى قَالَ من كَانَ أعلمهم تَأْوِيل روياك أَن الْحق قد مَاتَ فِي بلدك لظلمك وجورك وَذَلِكَ بِأَن الله هُوَ الْحق فَعلم الْملك أَنه كَمَا قَالَ فَرجع عَن ظلمه وَتَابَ

17 - الْمَعْنى يُؤَكد مَا قَالَ فِي الْبَيْت الأول أَي عظم على مَا أعاينه من الممدوح وحاله حَتَّى شَككت فِيمَا رَأَيْت إِذْ لم أر مثله وَلم أسمع بِهِ حَتَّى صَار المعاين كالمتوهم المظنون الَّذِي لَا يرى قَالَ الواحدي وَالصَّحِيح رِوَايَة من روى إِنَّه بِالْكَسْرِ لِأَن مَا بعد حَتَّى جملَة وَهِي لَا تعْمل فِي الْجمل كَمَا تَقول خرج الْقَوْم حَتَّى إِن زيدا لخارج وَمن روى بِفَتْح الْألف فَهُوَ مخطىء

18 - الْمَعْنى يَقُول جودك ينْتَقم من مَالك فيفرقه كَمَا تنتقم أَنْت من الْعَدو بإهلاكه إِلَّا أَن تِلْكَ النقم عَائِدَة على الْيَتَامَى نعما لِأَنَّهَا مفرقة فيهم

19 - الْمَعْنى قَالَ الواحدي يَقُول هُوَ يفرط فِي جوده حَتَّى ينْسبهُ النَّاس إِلَى الْجُنُون وَيَقُول بَيت المَال مَا هَذَا مُسلما لِأَنَّهُ فرق بيُوت أَمْوَال الْمُسلمين وَلم يدع فِيهَا شَيْئا اهـ وَقَالَ الْخَطِيب عظم الممدوح تَعْظِيمًا وَجب مَعَه أَن لَا يكون خاطبه بِهَذَا الْخطاب وَإِنَّمَا تبع قَول أبي نواس

(جُدْتَ بِالأمْوَالِ حَتى ... قِيلَ مَا هَذَا صَحِيحُ)

وَلَعَلَّ أَبَا نواس أَرَادَ مَا هَذَا الْفِعْل صَحِيح انْتهى كَلَامه وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو نواس مَا هَذَا صَحِيح الْعقل وَقد صرح بِهِ فِي مَوضِع آخر فَقَالَ

(جادَ بالأمْوَالِ حَتَّى ... حَسِبُوه النَّاسُ حُمْقا)

وَتَبعهُ أَبُو تَمام بقوله

(مَا زَالَ يْهذي بالمكارِمِ وَالنَّدَى ... حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ مَحْمُومُ)

وَالْأَصْل فِي هَذَا قَول عبيد بن أَيُّوب الْعَنْبَري ذكره الجاحظ فِي كتاب الْحَيَوَان

(حَمْرَاءُ تامِكَةُ السَّنامِ كَأنَّها ... جَمَلٌ بِهَوْدَجِ أهْلِهِ مَظْعُونُ)

(جادَتْ بهَا عِنْدَ الوَدَاعِ يَمينُه ... كِلْتا يَدَيْ عُمَرَ الغَداةَ يَمينُ)

(مَا كانَ يُعْطى مِثلها فِي مِثْلِهِ ... إلاَّ كَرِيمُ الخِيمِ أوْ مَجْنُونُ)

20 - الْغَرِيب أذكرته بِمَعْنى ذكرته والمترجم الْمعبر عَن الشَّيْء مثلى الترجمان الْمَعْنى يَقُول مثلك إِذا لم أذكرهُ حَاجَتي فَهُوَ تذكار لَهُ لِأَنَّهُ يعلم مَا يُرِيد فَلَا يحْتَاج إِلَى من يترجم لَهُ عَمَّا فِي مرادي فَترك إذكاره وَهُوَ من قَول الطَّائِي

(وَإذا الجودُ كانَ عَوْني عَلى المَرْ ... تَقاضَيْتُهُ بِتْركِ التَّقاضِي)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015