مثله:

نهيبن النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لها

يقول: نبتذل في الحروب أنفسنا طلباً لصيانتها، ونستقتل فنتعرض ولا نتقبض عنها، بل نبذل لها وجوهنا التي هي حرم النفوس، ولو عرض علينا في السلم والسلامة بذلها للطام، لأنفنا منه وامتنعنا. والمعنى: نتلقى السيوف بخدودنا إذا كسبنا ذكراً، وإن صناها عن الأذى اليسير. وأكشف من هذا وأشرف قول الآخر:

ويبتذل النفس المصونة نفسه ... إذا ما رأى حقاً عليه ابتذالها

ولست بخالعٍ عني ثيابي ... إذا هر الكماة ولا أرامي

الثياب يعني بها السلاح، وهذا كما يسمى بزاً. ألا ترى قول الآخر:

بز أمرئٍ مستسلمٍ حازمٍ

وقول الهذلي:

فوقر بزٌ ما هنالك ضائع

يعني السيف. وهذا يحتمل وجهين: يجوز أن يكون المعنى لا أنزع ثيابي وقت هرير الأبطال تشمراً وتخففاً ثم لا أبلي ولا أجتهد، ولكن إذا وطنت نفسي على الشر تقصيت أبلغ ما يكون منه بأبلغ ما يكون من بلائي. وموضع ولا أرامي نصبٌ على الحال، أي لا أفعل ذلك غير مرامٍ. ويعني بالمراماة مدافعة الخصم ومجاهدته بكل ممكن ومعرض. وليس يريد الرمي بالنبال. وقد توسعوا في الرمي والمراماة حتى استعمل في الافتخار، واستعير لتأثير الدهر والشيب ولنظر المحبوب المفتتن. ويجوز أن يكون نفي الأمرين جميعاً فقال: لا أخلع ثيابي تخفيفاً عن نفسي من التولي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015