مات ميتةً كريمةً في الحرب تحت ظلال السيوف والرماح، ولا أبطل دم قتيلٍ منا حيث كان، وعلى يد من اتفق. وهذا غاية ما يتحمد به الفتاك وأبناء الحروب، حتى إن بعضهم اعتذر عمن مات على فراشه فقال:

بحمد من سنابك لا بذم ... أبا قران مت على مثال

وفي هذه الطريقة قوله:

كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول

وقوله: مات حتف أنفه يقال إن أول من تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم. وتحقيقه: كان حتفه بأنفه، أي بالأنفاس التي خرجت من أنفه عند نزوع الروح، لا دفعةً واحدة. ويقال خص الأنف بذلك لأنه من جهته ينقضي الرمق. ويقال: طل دمه يطل طلاً، إذا أهدر.

تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل

يروى: تسيل على حد السيوف نفوسنا. ولم يقل وليست على غيرها تسيل في الروايتين، لأنهم يكررون أسماء الأجناس والأعلام كثيراً، ولاسيما إذا قصدوا التفخيم بها. كما قال عديٌ:

لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

وفي الرواية الثانية - وهي المشهورة - أضاف الحد إلى الظبات. وهذا فيه وجهان: أحدهما أن يكون أراد بالظبات السيوف كلها ثم أضاف الحد إليها، والمعنى: تسيل على حد السيوف دماؤنا وليست تسيل على غيرها. وهذا كما يسمى السيف كما هو نصلاً، وكما يسمى السهم نصلاً كما هو. والثاني أن إضافة الحد إلى الظبات كإضافة البعض إلى الكل، ويكون التقدير: تسيل على الحد من الظبات، وتكون الظبات مضارب السيوف. فإن قيل: كيف تبجح بأن تكون دماؤهم تسيل على حد السيوف لا على غيره؟ قلت: إن الدماء قد تسال بالعصي وبغيرها مما لا يكون شرفاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015