كأنه قال بنو كلا الخير والشر. انتصب جميعاً على الحال. وكلا يضاف إلى المثنى، إلا أن المعطوف والمعطوف عليه والحرف العاطف الواو بمنزلة المثنى وفائدة قوله معروف ألم ومنكر أن يصرفا إلى النوازل الملمة والحوادث الطارئة، فيكون الخير ولاشر مقصورين على أفعالهما، فلذلك قال ومعروف ألم ومنكر ليتميز ما يكون من فعلهما عما يحدث من غير فعلهما.

وقال الربيع بن زياد العبسي

في مالك بن زهير العبسي:

إني أرقت فلم أغمض حار ... من سيئ النبأ الجليل الساري

من مثله تمسي النساء حواسراً ... وتقوم معولة مع الأسحار

يقول: لما تساقط الخبر الموجع الساري بليل، والعظيم في شأنه، الفظيع عند وقوعه إلى، سهرت فلم أغمض يا حار. كأنه ذكر ابتداء حاله لابتداء نعيه. والأرق: السهر. ويقال غمضت عيني بالتشديد، وغمضتها، واغتمضت. وأضاف السيئ إلى النبأ لأنه جعل النبأ للجنس، فهو كإضافة البعض إلى الكل. ويقال: أساء ما صنع، فهو سيئ، وساءني الشيء مساءة، وسؤتني بما فعلت مساءة ومسائية. ويقال السيئ والسيئة والسوءى. والسيئة كالخطيئة، وهو بإزاء الحسنة، والسوءى بإزاء الحسنى. والسوء: الاسم الجامع للآفات والأدواء. وقوله من مثله تمسي النساء حواسرا أي يأتي عليهن المساء وقد طرحن خمرهن فهن كاشفات الرءوس، مسبلات الشعور، لا يكتسين ولا يستترن، ويقمن مع السحر صائحات عائدات إلى عادتهن من النياحة والبكاء. وقيل الإمساء من الظهر إلى المغرب، وقيل بل إلى نصف الليل من الإمساء. وروى بعضهم: " تمشي النساء " أي يمشين متبرزات لا يدفعهن عن ذلك حشمة ولا يحجزهن رقبة. والأول أجود، حتى يكون المساء في مقابلة الصباح، ويكون الشاعر قد ذكر طرفي النهار من أوقاتهن.

أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار

ما إن أرى في قتله لذوي القوى ... إلا المطي تشد بالأكوار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015