كأني وصيفياً خليلي لم نقل ... لموقد نارٍ آخر الليل أوقد
فلو أنها إحدى يدي رزيتها ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي
فأقسمت لا آسى على إثر هالكٍ ... قدى الآن من وجدٍ على هالكٍ قدي
يقول: لما انقطع ما بيني وبين أخي صيفيٍ بالموت صرت كأن لم يجمعني وإياه أخوةٌ ووصال، ولا ولادة ولبان، فلم نترافد على ابتناء مكرمةٍ، وإيقاد نارٍ لطارق ليلٍ، وطالب قرى وضيافة، ولم نتعاون على إقامة مروءةٍ وإسداء عارفة. ثم قال فلو أنها إحدى يدي رزيتها. وموضع إحدى مبتدأ ورزيتها في موضع الخبر. والشاعر إنما يريد بيان توالي المصائب عنده وعليه، وتفاقم الخطب لديه فقال: لو أصبت بإحدى يدي لكان في الباقية بعض الاجتزاء والاستغناء، ولكن تبعت الأولى الثانية، فأدى فقدهما إلى انقطاع الحياة، وافتقاد العدة في الآلات. وحذف جواب لو لأن المراد مفهوم، فهو كما تقول: لو رأيتني وأنت شابٌ، ولو رأيت زيداً وفي يده السيف؛ لأن المعنى لرأيت الأمر بخلافه. والضمير في قوله فلو أنها يجوز أن يكون للقصة، ويجوز أن يكون للمصيبة، كأنه قال: فلو أن القصة والشان إحدى يدي رزيتها.
وقوله فأقسمت لا آسى على إثر هالك معناه حلفت لا أتحزن لغمةٍ في هالك بعد هذا تتجدد، لأن حذري كان عليهما، وخوفي كان من فقدهما، كما كان رجائي فيهما، وطمعي معلقاً بحياتهما.
وقوله قدى الآن معناه حسبي. وقد تزاد النون عليه ليسلم السكون في داله، إذ كان مبنياً عليه، فيقال قدني، وإن جعلت قد غير مضاف في الموضعين جاز. ويجوز تحريك الدال في الأول لالتقاء الساكنين، وفي الثاني لأن كل ساكنٍ وقع روياً يجوز إطلاقه بالكسر. قال حجة في زيادة النون وحذفه:
قدني من نصر الحبيين قدى
فأتى بالوجهين جميعاً. وقوله الآن موضعه نصب على الظرف، ولا يجيء إلا بالألف واللام ومبنياً معه. ومن وجدٍ موضعه رفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو