فتى قبلٌ لم تعبس السن وجهه ... سوى خلسةٍ في الرأس كالبرق في الدجى
وصفه بأنه مقتبل الشباب لم يمسه أوائل الكبر، وأن السن لم تنقص رونق شبابه، ولم ترنق ماء بشرته، فهو طلق الوجه غير عابس. والعبوس: ظهور الغضب في الوجه. ويقال منه: يومٌ عبوسٌ، أي شديد. وقوله سوى خلسةٍ في الرأس استثناء منقطعٌ، ويعني أنه ظهر من الشيب في رأسه شعلةٌ، فهو كالبرق يلمع في سواد الليل. والخلسة: بياضٌ في سوادٍ، وقد أخلس رأسه، وشعرٌ خليس، ومنه قيل للمولود بين الأسود والبيضاء، والأبيض والسوداء: خلاسيٌ.
أشارت له الحرب العوان فجاءها ... يقعقع بالأقراب أول من أتى
ولم يجنها لكن جناها وليه ... فآسى وآداه فكان كمن جنى
قوله أشارت له الحرب العوان كأنه لم يصبر إلى أن دعي، ولكن حين اهتاجت الحرب جاءها، فكأن الحرب أشارت إليه. والعوان: الحرب التي قوتل فيها مرةً بعد أخرى، تشبيهاً بالعوان من النساء، وهي النصف. والفعل منه عونت وعانت. وقوله يقعقع بالأقراب يجوز أن يكون المعنى جاءها ولخواصره قعقعةٌ، أي صوتٌ، لشدة عدوه وحرصه. وقد يسمع من جوف العادي العجل وصدره النهيم والصوت الشديد، إذا استعجل في الإدراك ويجوز أن يكون القعقعة التي ذكرها من السلاح الذي كان عليه. وقوله أول من أتى يجوز أن يكون من نكرةً، كأنه قال: أول فارسٍ طلع، فيكون أتى صفةً له؛ ويجوز أن يكون معرفةً وأتى صلةً له، كأنه قال: أول الآتين، ويكون من موحد اللفظ مجموع المعنى. وانتصب أول على الحال في الوجهين جميعاً، والعامل فيه جاءها أو يقعقع. وقوله ولم يجنها لكن جناها وليه يحقق ما قلناه من أنه لم ينتظر الاستغاثة، ولكن لما طلعت له أمارات امتحان وليه آساه بنفسه، وأعداه على محنته، فكان كالجاني وإن لم يكن منه جنايةٌ، بذل اجتهاد وسرعة إنجاد. فالبيت الأول كما قال الآخر:
قومٌ إذا الشر أبدى ناجذبه لهم ... طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا