والاتباعان. ثم أخذ يبين محنته، فقال:
تنادوا فقالوا أرادت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردي
فجئت إليه والرماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد
يعني بالخيل الفرسان. يقول: نادى بعضهم بعضاً: أسقطت الخيل فارساً! فقلت: أعبد الله ذلكم الساقط الهالك، وإنما دعاه إلى هذا القول أمران: أحدهما سوء ظن الشقيق؛ والثاني أنه علم إقدامه في الحرب، وابتذاله النفس وتعرضه للحتف، فدعاه الشفقة والإشفاق إلى قصده لوقايته بنفسه، فلحقه والرماح تتناوله وتقع فيه وقع الصياصي، وهي خشبة الحائك في نسجه الممدود إذا أراد تمييز طاقات السدى بعضها من بعض، وكأنه سميت بذلك تشبيهاً بصيصية الديك وهما مخلبان في ساقه، وبصيصيه الثور، وهو قرنه. وقوله أعبد الله، وقد سماه معبداً أيضاً، وهم يفعلون كثيراً في الأعلام مثل ذلك. ألا ترى حالهم في سليمان، وأنهم يسمونه مرة سليماً ومرة سلاماً وقول الآخر:
صبوت أبا ذيبٍ وأنت كبير
يعني أبا ذؤيب. وقوله: تنوشه من النوش. والظبية تنوش الأراك وتنتاشه، أي تتناوله، وفي القرآن: " وأني لهم التناوش من مكان بعيدٍ ".
وكنت كذات البو ريعت فأقبلت ... إلى جلدٍ من مسك سقبٍ مقدد
بين ماذا أدرك من أخيه لما أراد وقايته والذب عنه فقال: كنت كناقةٍ لها ولدٌ فأفزعت فيه لما تباعدت عنه في مرعاها، فأقبلت نحوه، فإذا هو بجلدٍ مقطعٍ، وشلوٍ مبدد. كأنه انتهى إلى أخيه، وقد فرغ من قتله ومزق كل ممزق. والبو، أصله جلد فصيلٍ يحشى تبناً لتدر عليه، فاستعاره للولد. وكذلك الجلد هو ما جلد من المسلوخ وألبس غيره لتشمه أم المسلوخ فتدر عليه. والمسك: الجلد، لأنه يمسك ما وراءه من اللحم والعظم. والسقب: الذكر من أولاد الإبل؛ وناقةٌ مسقابٌ، إذا ولدت الذكران كثيرا.