لا يصح تعليق الشرط والجزاء به، وإنما يعلقان أبداً بما يستأنف من الزمان، حتى يصح من الفاعل إيقاع فعله به واستحقاقه الجزاء عليه. قلت: إن الأمر في الشرط على ما ذكرت إلا في لفظ كان، لأنهم جوزوا أن يقول القائل: إن كنت خرجت أمس إلى موضع كذا أعطيتك اليوم كذا، والمعنى إن ثبت في علمي وقوع الخروج منك أمس. وجوزوا هذا في لفظة كان لقوته في العبارة عن الأحداث، فأما الجزاء فلا يجوز فيه مثل هذا لا بلفظة كان ولا بغيره. ويمتنع أن يقال: إن تجئني اليوم أعطيتك أمس، على أن تكون العطية سلفاً في جزئه على فعله. فإن قيل: كيف جاز أن تقول على هذا " فربما أقام " وأقام بناء ماضٍ؟ قلت: إن الجواب في قوله فربما ليس بالفعل، وإنما هو بجملةٍ من مبتدإٍ وخبرٍ، كأنه قال: ففناؤك ربما أقام به بعد الوفود وفودٌ فيما مضى. والفاء في جواب الجزاء إنما تجلب إذا كان الجزاء غير موافقٍ للشرط، وهو أن يكون مبتدأً وخبراً، لا فعلاً وفاعلاً، وإذا كان كذلك فقد سلم اللفظ وصار المعنى: إن أمسى فناؤك مهجوراً الساعة فربما كان مألوفاً من قبل. والعرب تقول: هذا بذاك. أي عوضٌ من ذاك. فأما وقوع الماضي بعد إن فلأن إن ينقله بكونه شرطاً إلى المستقبل، وهذا كما ينقل لم بناءً المستقبل إلى الماضي. وهذا ظاهرٌ.
؟؟
لو كان حوض حمارٍ ما شربت به ... إلا بإذن حمارٍ آخر الأبد
حمارٌ اسم أخيه، وكان في حياته يتعزز به فلا يعترض عليه أحدٌ فيما يفعله، ولا يطمع إنسانٌ في اهتضام جانبه وقصده فيما يختصه، فلما أصيب به استلين جانبه، واستبيح حريمه، حتى إنه جبى ماءً في حوضٍ ليسقي إبله منه، فجاء من زاحمه فيه واستبد به دونه، فقال متلهفاً: لو كان هذا الحوض حوض حمارٍ أخي ما جسرت على شرب مائه، ولا على امتهانه فيه، بل كنت تستأذنه ثم تقدم عليه. وقوله آخر الأبد يتعلق بقوله ما شربت به. فأما تكريره لفظة حمارٍ فهم يفعلون ذلك في الأعلام وما يجري مجراها، وفي أسماء الأجناس، ويكون القصد إلى التعظيم في التكرير.