في الجبلين المتقابلين: هما يتناوحان. وقوله شققت جيوبٌ بأيدي مأتمٍ وخدود فالمأتم: النساء يجتمعن في الخير والشر، وأصله من الأتم، وهو التقاء المسلكين، ومنه أيضاً الأتوم في صفة النساء. وهذا الكلام وإن كان اقتصاص حالٍ ففيه دلالةٌ على تمكن الجزع بالمصاب من كافة الناس، وتناهيهم فيما يستدل به على شدة تأثيره فيهم.

فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود

فإنك لم تبعد على متعهدٍ ... بلى كل من تحت التراب بعيد

الرواية المختارة: " وربما أقام به بعد الوفود وفود "، بالواو، وذلك أن الشرط في قوله فإن تمس مهجور الفناء جوابه فإنك لم تبعد، ويصير: وربما أقام بيان الحال فيما تقدم من رياسته وقت توفر الناس على قصده وزيارته. والمعنى: إن مت وصرت مهجور الساحة مرفوض الخدمة - وربما كانت الوفود فيما مضى من حياتك تزدحم على بابك، وتتلاقى في فنائك - فإنك الساعة لم تبعد على من يتعهدك، ويرى قضاء حقك، وإقامة الرسم في واجبك، ثم قال مستدركاً على نفسه: بلى كل من تحت التراب فقد بعد عن ذلك كله. ويعني بالوفود طلاب الحاجات والمؤدين لواجبات الشكر، إذ كان في حياته المقصود والمشار إليه، والمصطنع لطوائف الناس بما يتفرق من إحسانه فيهم.

وقوله على متعهدٍ يريد متتبع العهود بالحفظ لها، ومنعها من الضياع والدروس. وكما يقال: تعهدت الشيء إذا تأملته هل بقي على ما عهدته، يقال: تفقدت الشيء إذا تأملته هل لحقه فقودٌ أم لا. وإذا روبت فربما أقام به بعد الوفود وفود، وجعلته جزاءً للشرط، يصير فإنك لم تبعد استئناف كلامٍ، ويكون الفاء رابطةً لجملةٍ على جملةٍ، والمعنى: إن هجر فناؤك الساعة لموتك فربما كان مألفاً للوفود أيام حياتك. وفي طريقته قول الآخر:

فقد كان يخشاك الكمي ويتقي ... أذاك ويرجو نفعك المتضعضع

فإن قيل: الشرط والجزاء لا يصحان إلا فيما كان مستقبلا؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول القائل: إن خرجت أمس أعطيتك فيه درهماً؛ لأن الوقت وقد انقضى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015