أمره، والتزمتم حتمه، واستنجزتم موعده. وإنما أخرج الخطاب بلفظ التثنية، وإن كان الوعظ متوجهاً إلى جميعهم، لأنه قال فأوصيكما يا ابنى نزارٍ.
وقوله فما ترب أثري أثري والثرى يجعلان اسمين للأرض، إلا أن أثري جعل كالعلم لها، ولذلك لم يصرف. والثرى: النتدى. وفي المثل التقى الثريان. وفسر قوله وما تحت الثرى على ما تحت الأرض. ويقال: ثرى ثريٌ، فيراد به التراب الندي. وفي الاستكثار قيل: هم أكثر من الثرى. والشاعر وصف ابنى نزارٍ بالكثرة، لأن فيها العز والغلبة، ثم لم يرض بذلك حتى قال هما كنفا الأرض. ومعنى لو جمعت ترابها لو أحطت علماً به وضبطته. ومعنى بأكثر من ابنى نزارٍ على العد بأكثر منهما معدودين؛ فموضع على العد موضع الحال. وقطع همزة ابنى نزارٍ ضرورةً، كما قال الآخر:
إذا جلوز الاثنين سرً فإنه ... بنث وإكثار الوشاة قمين
ويركبون هذه الضرورة في الأكثر الأعم إذا كانت الألف في اسمٍ، وذلك أن ألفات الوصل بابها الأفعال دون الأسماء حتى يمكن حصرها إذا لم تكن في مصدرٍ، فإذا كان كذلك فالمعتاد في ألفات الأسماء القطع، فعلى ذلك يستحسن قطعها فيها، وإن كانت في الوصل للضرورة.
وقوله هما كنفا الأرض فالكنف: الجانب والناحية. ومنه تكنفه بنو فلانٍ. والمعنى أنهم محدقون بالأرض. وقوله اللذا لو تزعزعا حذف النون استطالةً للاسم بصلته. وعلى هذا قوله:
أبنى كليبٍ إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا
والزعزعة: التحريك، ومنها ريحٌ زعزاعٌ. وقوله ما بين الجنوب إلى السد يريد ما بين مهب الجنوب إلى سد يأجوج. ويقال سدٌ وسدٌ لغتان، وقيل السد ما يفعله الآداميون، والسد بالضم ما لا صنع للآدمي فيه. ومراد الشاعر أن مساك الأرض وجوانبها بابنى نزارٍ، فإن تزعزعا تزلزلت الأرض. وهذا الكلام نهاية في بابه.