جعل وصاتة شاملةً لقبائل ربيعة ومضر، وهما ابنا نزار بن معدٍ، فيقول: أبذل نصحي لكم، وأبسط وصيتي إياكم فيكم، فتابعوها واعملوا بحسبها، فإنها ممحوضةٌ لكم عن قلب رجلٍ سليم الغيب، نقي الجيب، صائب الرأي، صادق الود. وقوله مفضى النصح أي واصل نصحه إليكم، وصائر في فضاءٍ وسعةٍ. والمعنى انكشافه وخلوصه. وفي القرآن: وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ. وقوله فلا تعلمن الحرب في الهام هامتي هذا صريح الوصية التي دعا إليها، وسامهم ارتسامها وحفظها. وجعل النهي لهامته، والمخاطبون هم المنهيون، فهو كقولك: لا أرينك ها هنا، والمراد: لا تكن ها هنا فأراك. وتحقيق قوله فلا تعلمن الحرب في الهام هامتي: لا تتحاربوا بعدي فتعلم هامتي بين الهام الحرب بينكم، أي عليكم بالتواصل والتعاضد، وإياكم والتقاطع والتدابر، فإن ذلك يؤدي ضعفكم، واجتراء الخصم عليكم، إن لم يؤد إلى التفاني والتهالك. وكانت العرب تقول: إن عظام الموتى تصير هاماً فتطير وتتنسم أخبار الأحياء. وقوله ولا تراميا بالنبل ويحكما بعدي، يقول: دعوا التفاخر والتنافر، والتجاذب والتحارب، فإن ذلك من آكد أسباب التلاقي والتهاجر. وهم يجعلون المناضلة مثلاً للمفاخرة، على هذا قول لبيد:
فانتضلنا وابن سلمى قاعدٌ ... كعتيق الطير يغضى ويجل
ثم قال:
فرميت القوم رشقاً صائباً ... ليس بالعصل ولا بالمفتعل
أما ترهبان النار في ابنى أبيكما ... ولا ترجوان الله في جنة الخلد
فما ترب أثري لو جمعت ترابها ... بأكثر من ابنى نزارٍ على العد
هما كنفا الأرض اللذالو تزعزعا ... تزعزع ما بين الجنوب إلى السد
ذكرهم بما في صلة الرحم من الأجر، وبما في قطيعته من الإثم، فأخذ يرغبهم ويحذرهم، فيقول: أما تخافون أن يحق عليكم العذاب إذا استهنتم بالوعيد الوارد في القطيعة واستعمال البغي، وتعرضتم لسخط الله عز وجل في تجاوز مأموره، وأما ترجون أن يحل الثواب الكريم في الصلة واستعطاف أولى المحارم والقربة، إذا رعيتم