بقيت أهمله وأفرقه. وقوله أديت عني حقق بدخول عن أن المؤدى وجب عليه. ألا ترى أنه لو قالا أديت كذا من دون عن لجاز أن يكون لنفسه أدى ما أدى، ولجاز أن يكون لغيره. ولأن معنى أديت عني نحيت عن نفسي. وقوله فللمال عندي اليوم راعٍ وكاسب نبه به على أنه جامعٌ له وحافظٌ. ولم يشر بقوله اليوم إلى وقتٍ معينٍ، لأنه أراد حاضر الأزمان ومؤتنفها. فأما قوله ترى رائدات الخيل فالرائدات المختلفات، ومنه المثل: " الرائد لا يكذب أهله ". والمراد أن الذي يرتبطونه من المال ويقتنونه الخيل، لا الإبل والغنم، وأنها تختلف فيما بين بيوتهم لكثرتها، لأنهم غزاءون وأرباب غاراتٍ، فخيولهم مربوطةٌ بالأفنية لئلا تبعد عنهم أوان الحاجة لقصدٍ أو متعٍ؛ وهي في اختلافها وكثرتها وترددها بين البيوت كمعزى الحجاز وقد ضاق عنها محابسها ومرابضها. وقوله كمعزى الحجاز في موضع الحال من ترى، وأعوزتها في موضع الحال مما دل عليه الكاف من قوله كمعزى. والأجود أن يضمر معها قد ليقرب بناء الماضي من الحال. والتقدير تراها مشابهةً لمعزة الحجاز وقد عدمت محابسها، فهي ترود. وفي هذه الطريقة قول سلمة بن الخرشب:
يسدون أبواب القباب بضمرٍ ... إلى عننٍ مستوثقات الأواصر
والزرب والزريبة واحد، ويقال أعوزه الدهر: أفقره. وأعوز الرجل: ساءت حاله.
فيغبقن أحلاباً ويصبحن مثلها ... فهن من التعداء قبٌ شوازب
يقال غبقته إذا سقيته غبوقاً، وصبحته إذا سقيته صبوحاً. والصبوح والغبوق: يشرب بالغداة والعشي، لأنهما كالفطور والذرور والسحور. فيجوز أن يريد أنها تعدى في القرتين، ويكون أحلاباً بمعنى أشواطٍ وأطلاقٍ. يقال احلب فرسك قرناً أو قرنين، واحلبها أحلاباً وحلباتٍ. ويشهد لهذا قوله فهن من التعداء قبٌ شوازب. وتحقيق الكلام أنه جعل صبوحهن وغبوقهن أن أعديت في أول النهار وآخره لتضمر،