موقدوها، ولم يتشمر لها خطابها ومولدوها ولكنا بنو المناقلات الشديدة الهياج، والوقعات الصعبة المراس، التي كثر ذرؤها، وتركر القتال حالاً بعد حالٍ من أهليها. وقوله بنو جد النقال يريد: بنو النقال البليغ المتناهى، الذي لا مساهلة فيه ولا مياسرة. ويجوز أن يكون المعنى: لسنا أصحاب حربٍ بكرٍ، ولكنا بنو حربٍ عوانٍ. كأنه جعل النقال في الولاد.
وقد اضطرب بعض المفسرين في هذا البيت، فأني بما يحجبه السمع، ولا يعيه القلب، فقال: المعنى لسنا بعقمٍ لم يكثر أولادنا، بل فينا الكثرة والعز. وقوله بنو جد النقال يعني به المناقلة في الكلام، يريد أنهم خطباء. قال: فالمصراع الثاني ليس من الأول في شيءٍ، وإذا كان كذلك فكأن أبا تمامٍ ذكر البيت على رداءته ليتجنب قول مثله، ولينبه على المترذل منه، كما نبه على المختار المستحسن بغيره.
وهذا القائل لم يرض بذهابه عن الصواب، حتى ظن بأبي تمامٍ ما لم يخطر له ببالٍ.
تفرى بيضها عنا فكنا ... بني الأجلاد منها والرمال
تبجح فيما مضى بما أعطاه الله من الظفر بالأعداء، وتوحده به من الفطنة والذكاء، والنكارة والدهاء، وبحسن الصبر على مدارسة العوصاء، ومداوسة الغماء، وبمجانبة الهين من الحروب، واقتحام أصعب الخطوب. وأقبل الآن يفتخر بالكثرة، إذ كان العز فيها، فقال: تغرى بيضها عنا. والضمير في بيضها للأرض، كما يقال: من الأرض خلقنا وإليها عودنا. وفي القرآن: " ألم نجعل الأرض كفاتاً. أحياء وأمواتاً ". وساغ ذلك وإن لم يجر لها ذكرٌ لما لم يلتبس، لدلالة الكلام عليه. والمعنى: تشقق بيض الأرض عنا، فنحن بنو حزونها وسهولها. وإنما يعني كثرتهم واتساع ديارهم، إذ كان الأرض لا تنقصم إلا إليها. والأجلاد: جمع الجلد، وهو الصلب من الأرض، وذكر البيض مثلٌ، وقد تقدم القول في بيضة البلد.
لنا الحصنان من أجإٍ وسلمى ... وشرقياهما غير انتحال
وتيماء التي من عهد عادٍ ... جميناها بأطراف العوالي
هذا كالبيان لما تقدم، والكشف عما أجمل، لأنه أتبع ما وصف من أخلاقهم وعزهم، بتحصن بلادهم وتمنع جبالهم، فقال: لنا جبلا طيئٍ أجأٌ وسلمى، ونواحى