تقول ودقت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحا المتقاعس
حكى ما قالته امرأته وهي تدق صدرها بيمينها، مستنكرةً لما رأته من طحنه لضيفه، ومستفظعة لما شاهدت من تخففه وتبذله، وهو قوله: أبعلي هذا المتقاعس بالرحا. فإنها استشنعت هيئته وامتهانه نفسه فيما يمتهن فيه الخدم، وبأنف من توليه ذوو الرزانة والعزة. وإنما ابتدأ كلامه بتقول لأن القول يحكى به ما كان كلاماً، ويعمل فيما كان قولاً. والمتقاعس: بناءٌ لما يفعل تكلفاً. على هذا قولهم تخازر وتعامى. والقمس: دخول الظهر وخروج الصدر. وقوله أبعلي موضعه رفعٌ بالابتداء، والألف لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإنكار والتقريع. وقوله هذا يكون في موضع الخبر، والمتقاعس يتبعه على أنه عطف البيان له. وإن شئت جعلت هذا صفةً لبعلي والمتقاعس خبراً. وقوله بالرحا لا يجوز أن يتعلق بالمتقاعس، لأنه في تعلقه به يصير من صلة الألف واللام، وما في الصلة لا يتقدم على الموصول، ولكن تجعله تبييناً وتتصور المتقاعس اسماً تاماً، ويصير موقع بالرحا بعده موقع بك بعد مرحباً، ولك بعد سقياً وحمداً. وإذا كان كذلك جاز تقديمه عليه، كما جاز أن تقولك بك مرحباً، ولك سقياً. وللمازني في مثل هذا طريقةٌ أخرى: وهو أن يجعل الألف واللام من المتقاعس للتعريف فقط، ولا يؤدى معنى الذي، كما تقول نعم القائم زيدٌ، وبئس الرجل عمرو، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى الصلة، فجاز وقوع بالرحا مقدماً عليه ومؤخراً بعده. وموقع الجملة التي حكاها من كلام المرأة نصبٌ على أنه مفعول لتقول. فأما ما يعمل في لفظه " قال " ومتصرفاته فهو ما يكون قولاً ووصفاً للجمل، كقولك قلت حقاً أو باطلاً، أو قلت صدقاً أو كذباً وما أشبهه. والبعل يقال للرجل ولامرأة، وقيل بعلةٌ أيضاً، والفعل منه بعل بعالةً وبعولةً. والبعال: ملاعبة الرجل أهله. ويقال بنو فلانٍ لا يباعلون، أي لا يتزوج إليهم ولا يزوجون.
فقلت لها لا تعجلي وتبيني ... بلائي إذا التفت على الفوارس
حكى ما جعله جواباً للمرأة: كما حكى كلامها، وهو قوله لا تعجلي مع ما يتبعه. ومعنى البيت: لا تسرعي إنكارك، بل تثبتي في حكمك، وتبيني براعتي في