تمنى لي الموت المعجل خالدٌ ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده
فخل مكاناً لم تكن لتسده ... عزيزاً على عبسٍ وذبيان ذائده
يقول: ود لي الموت الوحي السريع الإتيان خالدٌ، حسداً منه وبغضاً، ومنافسة في الرياسة وحقداً. ثم قال متسلياً: ولا خير فيمن لا حاسد له، لأن الحسد من توابع الفضل ومسبباته. ومثل هذا قول الآخر:
إن يحسدوني فإني غير لأئمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
وقد شرح القول فيه. وقوله " فخل مقاماً " أقبل على خالدٍ مبكتاً له ومقصراً به، يعرفه أنه يحسده فيما لا يصلح له ولا يستكفي مثله فيه، فقال: اترك مقاماً تزل قدمك عنه، وتسقط رتبتك دونه، وانس مكاناً لا تسده بكفايتك، ولا تقوم فيه بغنائك، وبعز المدافع دونه على طوائف عبس وذبيان - وإنما يريد رياسة العشيرة - وخل القيام بأمر عبسٍ وذبيان إذ لست من رجال ذلك. وقوله " لتسده " اللام فيه لام الجحود، وهي لام الإضافة، والفعل بعده ينتصب بأن مضمرةً ولا يظهر البتة.
وقال أيضاً:
لست بمولى سوءةٍ أدعى لها ... فإن لسوءات الأمور مواليا
مولى سوءةٍ: متوليها وصاحبها. ويجوز أن يكون من الولي: القرب أي لا أقاربها ولا أدانيها: وقوله " أدعى " من الدعاوة والدعوة، وهي النسبة. يقول: لا أتعاطى قبيحاً، ولا أتولى مخزيةً فأنسب إليها، وأعرف بها، فإن لمقابح الأمور أرباباً غيري. وهذا انتفاءٌ من الأدناس، وتبرؤٌ من المقابح، وتعريضٌ بأن ما يتنزه عنه حاصلٌ في مجاذبه وملازمٌ له.
ولن يجد الناس الصديق ولا العدى ... أديمي إذا عدوا أديمي واهيا
يقول: إني صحيح الأصل، تقي العرض، فلو تعاون في الكشف عما أدعيه والبحث دونه أصدقائي وأعدائي، ومن يرى التغميض على ما ينكره، أو التشهير