طولبت بدمٍ أو نوزعت في ذحل، شق تقاضيك به وتعذر، وتصعب نيله من جهتك وتعسر. فعلى هذا قوله " مكروهٌ تقاضيها "، معناه مروهٌ تقاضيك بها. ويصلح أن يكون ذماً، فيكون المعنى: إني رأيتك بأهون سعيٍ وأقرب طلبٍ تخرج من الأوتار والدماء إلى طلابها، فلا كلفة في نيلها وإدراكها من جهتك، والتقاضي بالدم عسرٌ صعبٌ إلا إذا كان عندك وقبلك، فما ذلك إلا لضعف كيدك ومهانة نفسك، وقصور آبائك. والدين في هذا الوجه يراد به الوتر والدم. وقوله " مكروهٌ تقاضيها " يعني تقاضي غيرك بها. ومثل قوله مكروهٌ تقاضيها فيما أضيف إليه قول لبيدٍ:

باكرت حاجتها الدجاج بسحرةٍ

لأن المعنى باكرت حاجتي إليها.

وقال شريح بن قرواشٍ

لما رأيت النفس جاشت عكرتها ... على مسحل وأي ساعة معكر

يقول: لما تحركت حميتي وغلب نفسي، حتى كادت تثور من مقرها فتجري أنفةً وامتعاضاً، عطفتها على صاحبي مسحلٍ وفي أي وقتٍ معطفٍ فعلت ذلك. وهذا تفظيعٌ للشأن، وتفخيمٌ للأمر. فإذا رويت " وأي ساعة معكرٍ " بالرفع يكون مبتدأ وخبره محذوف، كأنه قال: وأي ساعة معكر ومكر تلك الساعة. وإذا رويته بالنصب يكون ظرفاً، ويكون العامل فيه مضمراً، كأنه قال: وعكرت أي وقت معكر. ومعنى عكر: عطف. ويقال: هو عكارٌ في الفتن. وجواب لما " عكرتها ".

عشية نازلت الفوارس عنده ... وزل سناني عن شريح بن مسهر

عشية انتصب على أن يكون بدلاً من قوله وأي ساعة معكر إذا نصبت أيا، وإن رفعته فانتصاب عشية على أن يكون ظرفاً والعامل فيه فعلٌ مضمرٌ دل عليه ما قبله، كأنه قال عكرت عشية. ولا يكون العامل نازلت، لأنه مضافٌ إليه وبيانٌ للوقت، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. فيقول: عطفت عليه ذاباً عنه ومدافعاً دونه، عشية منازلتي الفرسان بحضرته، وحين زل سنان رمحي عن ابن مسهرٍ، وإنما زل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015