وقال آخر:

الشيء يبدؤه في الأصل أصغره ... وليس يصلى بكل الحرب جانيها

يبدؤه أي يبدأ منه، فحذف حرف الجر ووصل الفعل فنصب. يقول: أوائل الأمور ضعيفةٌ، ومبادئها صغيرةٌ حقيرة، ثم تستحكم على مر الأيام وتصرف الأحوال فتعظم. وهذا كما قال الأخر:

الحرب أول ما تكون فتيةٌ ... تسعى بنزتها لكل جهول

وفي طريقته قول الآخر:

كم مطرٍ بدؤه مطير

وقوله " وليس يصلى بنار الحرب جانيها " يروى: " بجل الحرب " والمعنى: لا يصطلي بنار الحرب ومعظمها من يكتسبها ويوقدها فقط، بل يحصل بالمشاركة فيها ويمنى ببلواها، من لم ينقل خطوته في بعثها، ولم يسع في تهييجها.

والحرب يلحق فيها الكارهون كما ... تدنو الصحاح إلى الجربى فتعديها

يقول: شر الحرب يعدي إعداء الجرب، فترى الكاره لها يلتحق بها وإن كان غير حازمٍ لها، وتلقى البعيد منها يصطلي بحرها وإن لم يذكها ولم يشيع موقدها. وفي هذا التشبيه خروج المشبه من الكمون إلى الظهور، ومن الخفاء إلى البروز، حتى يتجلى لمتأمله والمفكر فيه على بعده في التصور تجلي القريب في العرف والاعتياد. وهذا هو غاية المراد من التشبيهات.

إني رأيتك تقضي الدين طالبه ... وقطرة الدم مكروهٌ تقاضيها

هذا البيت يصلح أن يكون مدحاً، فيكون المعنى: إني رأيتك تخرج إلى المدينين سريعاً من دينهم عليك، غير مدافعٍ بما في ذمتك لهم ولا مماطلٍ، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015