وقال آخر:

لعمري لرهط المرء خيرٌ بقيةً ... عليه وإن عالوا به كل مركب

خبر " لعمري " مضمرٌ ولا يجوز إظهاره، وهو قسمٌ، ولا يجوز أيضاً فيه إلا فتح العين، ولرهط جوابه. والرهط يقع على ما دون العشرة، ولهذا دخل عليه من الأسماء أسماء الآحاد فقيل ثلاثة رهطٍ. ومثله نفرٌ، ولو كان يقع على الكثير لما جاز لك فيه ألا ترى أنك لا تقول ثلاث إبلٍ. وانتصاب " بقيةً " على التمييز، وموضع " وإن عالوا به " نصبٌ على الحال للرهط، وجواب الشرط فيما دل عليه قوله " خيرٌ بقيةٍ ". وقوله " كل مركب " يريد به كل مركبٍ مذمومٍ. وعاليت بفلانٍ بمعنى أعليته. ومعنى البيت: وبقائي، لعترة الرجل أحسن إبقاء عليه، وأكثر حشمةً له، وإن أركبوه مراكب صعبةً مكروهة، وأنزلوه منازل حزنةً مذمومةً.

من الجانب الأقصى وإن كان ذاغنيً ... جزيلٍ ولم يخبرك مثل مجرب

تعلق " من " بقوله خيرٌ بقيةٍ، لأن معناه أفعل الذي يتم بمن. يقول: هم أحسن إبقاءً عليه من الغريب الأبعد، وإن كان الرجل محتشما في نفسه غنياً، ومعظماً مهيباً. وقوله " وإن كان ذا غنًى " في موضع الحال أيضاً. والجانب يراد به الجنس لا واحدٌ بعينه. وقوله " ولم يخبرك مثل مجربٍ " يجري مجرى الالتفات، وهو توكيد للخبر الذي أورده، وتحقيقٌ لما أنبأ به وشرحه، وأن ما قاله قاله عن تجربةٍ وخبرةٍ، لا عن سماعٍ وخبر.

إذا كنت في قومٍ ولم تك منهم ... فكل ما علفت من خبيثٍ وطيب

هذا الكلام تحذير من الاغترار بالأجانب، والاستنامة إلى ناحيتهم، وبعثٌ على طلب موافقتهم وترك الخلاف عليهم، بعد الحصول فيهم، وأن استعمال الإدلال معهم، والأخذ بالمضايقة في إيفائهم والاستيفاء منهم غير واجبٍ. ويروى: " في قومٍ عدًى لست منهم " ويكون معنى لست منهم: وأنت لا تهوى هواهم. والعدى يقع على الواحد والجميع، يقال رجلٌ عدًي، وقومٌ عدًى، أي بعدٌ غرباء. وقوله " كل ما علفت " مثلٌ. ومثله:

ولا تطعمن ما يعلفونك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015