تركت بجنبي سحبلٍ وتلاعه ... مراق دمٍ لا يبرح الدهر ثاويا
أخذ يقتص ما هون عليه الموت من فعله، فيقول: تركت بجانبي هذا الوادي ومسايل مياهه مصبوب دمٍ، يلزم ذلك المكان على مرور الأيام فلا يبرح. وقوله " ثاويا " من ثوى بالمكان، إذا أقام. يقال ثوى وأثوى جميعا. وقوله " مراق دمٍ " يجوز أن يريد موضعا أريق به دمٌ، كما يجوز أن يريد به دماً مراقاً، ولكنه إذا أريد به الموضع يكون لا يبرح من صفة الجم، ويجوز أن يريد به رجلاً أريق دمه ويحكون كقولك هو حسن وجهٍ. وذكر بعضهم أن المراد مراق دمٍ لا يزال ذكره باقيا على الدهر فحذف المضاف. والتلاع: جمع تلعةٍ، وهي أرضٌ مرتفعة يتردد فيها السيل إلى بطن الوادي. ومن الاستعارة الحسنة: فلانٌ لا يوثق بسيل تلعته، إذا كان غير صدوقٍ في أخباره.
إذا ما أتيت الحارثيات فانعني ... لهن وخبرهن أن لا تلاقيا
هذا كلام رجل يوئس أحبته من نفسه لاستقتاله، أو لأنه مني بما لم يرج الخلاص منه. فقال: إذا زرت نساء بني حارثة فاذكر موتى لهن، وأعلمهن أنه لا التقاء بيني وبينهن. فقوله " أن لا تلاقيا " أن مخففةٌ من أن الثقيلة، واسمه مضمرٌ، وتلاقيا نصبٌ بلا وخبره محذوف، والمراد لا تلاقي لنا، والهاء في أنه ضمير الشأن والأمر، والجملة خبر أن. وهذا البيت مع ما بعده لمالك بن الريب فيما أظن، وانضما إلى أبيات جعفر بن علبة على سبيل الغلط.
وقود قلوصي في الركاب فإنها ... ستضحك مسروراً وتبكي بواكيا
يقول: وأكثر قود ناقتي حالاً بعد حالٍ، فإن الأعداء يشمتون إذا استدلوا بها ويضحكون سروراً، والأصدقاء ذوات الشفقة يغتمون فيبكون توجعاً. وهذا الكلام تحزنٌ وتحسرٌ. وقوله " ستضحك مسروراً وتبكي بواكيا " من باب وصف الشيء بما يؤول إليه، ومثله قولهم: خرجت جوارجه. وقول الفرزدق:
قتلت قتيلاً لم ير الناس مثله
والقلوص، قال الخليل: هي الناقة الباقية على السير، لا تزال قلوصاً حتى تبزل. وإنما سميت قلوصاً لطول قوائمها ولم تجسم بعد.