لأن معناه فإنهم يصبرون صبر الكرام. ومثله قوله تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك "؛ لأن المعنى: فإنك تملكهم وتقدر عليهم.
فقيرهم مبدي الغنى وغنيهم ... له ورق للسائلين رطيب
يقول: محتاجهم متجملٌ، وبما لا تناله مقدرته ولا ينهض وسعة متكثرٌ، وظاهره الغنى اكتفاءً بما يملكه، وتصنعاً لم ن يرمقه؛ وغنيهم له إفضال على العفاة، ومعروفٌ عند السؤال، يحيون في جنابه، ويعيشون في كنفه وظلاله. وقوله " له ورقٌ " مثلٌ ضربه للندى، وأصله ها هنا ورق الشجر، وبه عيش المال: الإبل والغنم. وإذا لم يمنعوا من الورق عاش الناس في فنائهم. هذا الأصل، ثم يتمثل به بعد لغيره من ضروب المنافع، ووجوه المرازئ. وسلك في هذه الاستعارة والتمثيل مسلك زهير حيث يقول:
وليس مانع ذي قربى ولا رحمٍ ... يوماً ولا معدماً من خايطٍ ورقا
ويقال: ورقت الشجرة وأورقت، وشجرة وريقةٌ، إذا كثر ورقها والوراق: زمن خروج الورق، كالصرام والجداد.
ذلو لهم صعب القياد وصعبهم ... ذلولٌ بحق الراغبين ركوب
يقول: من كان سهل الجانب منهم تراه متعسراً إذا سيم الضيم، متصعباً في التزام الظلم والجور؛ والأبي الخشن الخلق منهم معترفٌ بحق الراغبين، يركب به ولا يمنع، ويقاد له ولا يأبى. وقوله ركوبٌ، هو في معنى مفعول ها هنا. والذلول: الوطئ الظهر، والذُّل والذل يرجعان إلى السهولة والوطاءة، وإن كان كلٌ تفرد بمعنىً يتميز عن صاحبه بمايضاده. ألا ترى أن ضد الذل باضم العز، وضد الذل بالكسر الصعوبة.
إذا رنقت أخلاق قومٍ مصببةٌ ... تصفى بها أخلاقهم وتطيب
يقول: إذا كدرت المصائب أخلاق الناس فتغيرت، حتى لا يصير عليها محمل، ولا إليها من النوائب ملجأٌ، فإن أخلاق هؤلاء تصفى بها ولها وتطيب عند تحاملها؛ كأنهم كلما ازدادوا امتحاناً بالدهر ازدادوا طلاقةً وهشاشةً، ولين معطفٍ ولدونةً،