لحقهم. ويروى عن أمير المؤمنين عليه السلام:
حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
يريد أشدد حيازيمك.
كأنما الأسد في عرينهم ... ونحن كالليل جاش في قتمه
يقول: إن هؤلاء القوم يتمنعون على الأعداء، ويبطشون بهم، تمنع الأسد في أجمتها وبطشها منها، ونحن كالليل، يريد نحن في كثرتنا وهولنا وإحاطتنا بهم، وإدراكنا إياهم كالليل إذا جاش ظلمته، وتراكم سواده. والقتام والقتم والقتمة، يجيء في الظلمة والغبار والريح، وجاء الفعل منه فقيل قتم يقتم قتماً وقتاماً. وذكر بعضهم أنه أراد بالقتم القتام فحذف الألف، كما قال غيره ورواه قطربٌ:
ألا لا بارك الله في سهيلٍ ... إذا ما الله بارك في الرجال
ومصدر ما كان على فعل الفعل في الأكثر، فلا أدري لم أنكره حتى اعتذر بما ذكره. والعرين: الأجمة، أجمة الأسد، ثم يسمى مقتتل القوم عريناً. ويقال للرجل: هو عرنةٌ لا يطاق، إذا كان خبيثاً وقوله عرينهم موضعه موضع الحال، والأسد خبر مبتدإ محذوفٍ، كأنه قال كأنما هم الأسد في مقتتلهم، ونحن كالليل في هولنا وإدراكنا، ويكون قوله جاش في قتمه، في موضع الحال أيضاً، والأجود أن يكون قد معه مضمرةً، أي كالليل وقد جاش.
لا يسلمون الغداة جارهم ... حتى يزل الشراك عن قدمه
مدحهم بحسن المحاماة على الجار. وترك الإسلام له مدة بقائه فيهم. وقوله الغداة أشار بها إلى غداة اللقاء، أو صباح الغوار. وقوله حتى يزل الشرك عن قدمه فيه قلبٌ، والأصل زلت القدم عن الشراك. وهذا مثلٌ لموته، لأنه لا يلبسها بعده. واحتمل الكلام القلب لأن المعنى لا يخيل كما لا يخيل في قولهم: أدخلت الخف في رجلي، والقلنسوة في رأسي. وهذا كما يقال هريق جفانه، وصفر وطابه، وطوى حصيره، وخلى مكانه. والمعنى لا يسلمون الجار إلى أن يموت فيهم. ويجوز أن يكون الهاء من قدمه راجعاً إلى الشراك ويكون الكلام مثلاً لتفظيع الأمر،