يريد: إن الإكراه لا يزيدنا إلا امتناعاً، والاقتسار لا يحصل منا إلا إباءً. ويشبه من حيث النظم قوله: إذا ما أبينا لا ندر لعاصب الالتفات. ألا ترى أنه ترك ما كان يطرده من القول وصار كأنه التفت فقال ذلك.

؟ وقال بعض شعراء حمير:

من رأى يومنا ويوم بني التيم إذا التف صيقه بدمه

ذكر أنها قيلت في وقعةٍ كانت بين حمير وعبد مناة وكلبٍ، وكانت على حمير، وقتل فيها علقمة بن ذي يزن. وقوله من رأى لفظه استفهامٌ، ومعناه التفظيع والتعظيم. وأراد باليوم الوقعة، لولا ذلك لما صلح أن يكون إذا ظرفاً له. ومثله قوله تعالى: " إذا نقر في الناقور. فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ " ألا ترى أن في قوله " يوم عسيرٌ " معنى فعلٍ، فصار يومئذ ظرفاً له، كأنه قال: فذلك النقر يومئذ نقر يومٍ عسير. فيقول: من شاهد يومنا مع بني التيم حين التف غبار الجو بالدم، وتندى به وابتل، حتى قل. والصيق: الغبار الجائل في الجو. وأضافه إلى اليوم لكونه فيه، والتفافه كان برشاش الدم القاطر من الجراح. ويقال صيقهٌ أيضاً: قال رؤية:

يتركن ترب الأرض مجنون الصيق

وصيقٌ: جمع صيقةٍ.

لما رأوا أن يومهم أشبٌ ... شدوا حيازيمهم على ألمه

قوله أشبٌ أي كثير الجلبة، ضيق الاختلاط، والمكان الأشب فيه شجرٌ ملتفٌ. وجواب لما شدوا. يقول: لما أحس بنو التيم بفظاعة الأمر واختلاط الشأن، وتضايق المجال والمكر، وطنوا أنفسهم على الألم، وشدوا حيزومهم للجهد. وتهيئوا للصبر على ما ابتلوا به وشقوا له. والحيزوم: الصدر، لأنه موضع الحزم والعزم، لاشتماله على القلب الذي هو موضعهما. ويسمى حزيماً أيضاً، كأنه الموضع الذي يشد بالحزام. والحزام من الحزم أيضاً. وشد الحيازيم مثل للصبر على ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015