وإذا الفتى لاقى الحمام رأيته ... لولا الثناء كأنه لم يولد
وأتيت أبيض سابغاً سرباله ... يكفي المشاهد غيب من لم يشهد
يقول: إذا أخلى الفتى مكانه من الدنيا وانقضى عمره، فانتقل من الأولى إلى الأخرى، فلولا ثناء الناس عليه، وذكره بالجميل الذي يقدمه ويسديه، لنسي وقته وأمده، وصار حكمه من لم يولد فيعرف يومه وغده، لكن باقي الذكر ونامي العهد والرسم، بما ينشر من حديث حسن وقصة، ويحمد من عادة وسنة، هو الذي يصير به في حكم الحي الذي لم يمت، والمشهود الذي لم يفت. وقد توصل بهذا الكلام إلى إطرائه من يتشكره والثناء عليه، وهو قوله وأتيت أبيض سابغاً سرباله، يريد: وزرت رجلاً كريماً حراً، نقى الحسب من العيوب، واسع العطاف والقميص، لباسه لباس الرؤساء والسادة. وقوله يكفي المشاهد يريد أنه ينوب في مجالس الكبار عمن لا يحضرها، فيحسن المحضر، ويقصر لسان المغتاب. ومثله قول الآخر:
إنا لنذكر والرماح تنوشنا ... تحت العجاجة ما يقال ضحى الغد