لا طريق للمخلص الا على ذلك الوجة. وتحقيق الكلام: ليس به جنون، ولكن به كيد أمر يطلب دفعه والسلامة منه.
فلما سمعت الصوت ناديت نحوه ... بصوت كريم الجد حلو شمائله
فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها ... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
يقول: جمعت في تلقيه وإغائته بين الأسباب التي يستنزل بها الضيف، ويستقبل بها الجيران؛ لإشالته من صرعته، واشتلائه من محنته، فناديته بنفسي على رفع من صوتي، وهو صوت رجل كريم الأصل، حلو الطبائع، سهل الجانب، حسن الاشتمال على الضيف، وجعلت ناري في براز، وهو المرتفع من الأرض. ومثل البراز البرز. وقال:
يظل على البرز البفاع كأنه
قال: ثم أيدتها بثقوب يرتفع الضوء له، ويقوى به، وأخرجت كلبي من مقره، وهو لشدة البرد ملازم للبيت لا يخرج، كل ذلك فعلته تقريباً للأمر على الضيف، وتسهيلاً لهدايته. وقوله وهو في البيت داخله في البيت موضعه خبر الابتداء وليس بلغو، وداخله خبر ثان، والهاء من داخله يعود إلى البيت كأنه قال: وهو مستقر في البيت داخل فيه، ولا يمتنع أن يكون داخله في موضع البدل من قوله في البيت، ويكون كقولك زيد داخل البيت وخارجه.
فلما رآني كبر الله وحده ... وبشر قلباً كان جما بلا بله
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً ... رشدت ولم أقعد إليه أسائله
يقول: لما رآني هذا الضيف قال: الله أكبر! استبشاراً واغتباطاً بما تعجل له من الفرح، وفرح قلباً كانت غمومه مجتمعة عليه يأساً من الخير في مثل مكانه، وطمعاً فيما يستبقيه من حياته؛ فقلت له: أتيت أهلاً لا غرباء، ووردت سهلاً من الأفنية لا حزناً، وتعمدت رحباً من الأماكن لا ضيقاً، وصحبت الرشاد في عدولك إلى لا الضلال، ورافقت السعادة لا الشقاء والهلكة، ولم أقعد إليه مسائلاً عن أخباره وعما أداه إلى أرضي في انتقالاته، بل عمدت إلى الاحتفال له، وقصرت سعيي على ما يقتضيه إنزاله، وعلى تهيئة القرى والأنزال له. وانتصب وحده علىالمصدر، لأنه موضوع موضع الإيجاد، أي أوحد الله إيحاداً.