وقوله إذا ما اشتهوا منها شواء، يريد: زإذا انبسطوا للتناول وتواضعوا وأظهروا في المعاون اهتزازهم فنشطوا، سعى في اتخاذ الشواء لهم وتهيئته رجل خفيف السعي، كثير الألطاف، حسن الخدمة للكرام، عارف برسومهم في اكتساب المكرمات. ويعني به نفسه.
وقوله: فإلا أكن عين الجواد، يريد إن لم أكن كل الجواد والجامع لأسباب السخاء، فإنني لا أشتم في الظلماء بعلة الزاد وحبسه عن مريده؛ وإن لم أكن حق الشجاع، والتام الآلات في المصاع، فإني أجر الرمح في المطعون وأرد سنانه كسرا. وليس الجود ولا الشجاعة إلا ما ذكره، ولكنه أراد أن تكون دعواه قاصرة عن الغاية المرموقة، ليكون أحسن في الأحدوثة، وأدخل في العقل، وأقرب في الذكر. وقد مر القول في مثله في باب الحماسة أشبع من هذا.
والهذريان والهيذار: الكثير الكلام فيما يحمد. والهذر والمهذار: الكثير الكلام في كل باب.
وسع بمدك ماء اللحم تقسمه ... وأكثرالشوب إن لم يكثر اللبن
وسع به وتلت حول حاضره ... إن الكريم الذي لم يخله الفطن
قوله بمدك مصدر مددت القدر، إذا أكثرت مرقها. ويقال: مددت الدواة أيضاً، إذا كثر مرق قدرك ليتسع لغاشيتها، وأكثر خلط اللبن إن لم يكثر في نفسه ولم يتسع لوارده. والشوب: مصدر شاب يشوب، إذا خلط وهذا مثل ما سار به المثل، وهو مثل الماء خير من الماء. وأصله أن رجلاً استسقى غيره لبناً، فقال: إنه مثل الماء، أي فضلة بقيت من لبن مشوب. فقال المستسقي: مثل الماء خير من الماء. يريد أن المشوب من اللبن خير من الماء القراح. ومثله قول الآخر:
نمد لهم بالماء من غير هونهم ... ولكن إذا ما ضاق شيء يوسع
وقوله وسع به وتلفت حول حاضره يريد كثره والتفت فيمن حولك من جار ومحتاج، ولا تنتظر بما تفرقه السؤال والطلب، ولكن ليكن من نفسك باعث على