وقوله: وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا، يروى: نازلاً. ويقال: ثوى بالمكان وأثوى بمعنى. يريد أني أتكلف من خدمة الضيف ما يتكلفه العبيد، لا أستنكف ولا آنف، وليس لي من أخلاق العبيد وطبائعهم إلا تلك، يريد إلا تلك الخدمة، أو تلك الخليقة. وموضع ما دام نصب على الظرف أي مدة دوام ثوائه عندي. وموضع من شيم العبد رفع على أن يكون اسم ما، وخبره في وإلا تلك استثناء مقدم، وفائدة من التبيين فهو كمن الذي في قوله: " فاجتنبوا الرجس من الأوثان "، لأن الأوثان كلها رجس، وليس يريد التبعيض بذكر من، لكن المراد اجتنبوا الرجس من الضرب، إذ كان الأهم فيما يجب اجتنابه.
وقال آخر:
ليس في الفتيان من كل همه ... صبوح وإن أمسى ففضل غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا ... لضر عدو أو لنفع صديق
يقول: ليس المختار من الفتيان والكامل الفتوة فيهم من إذا أصبح كان معظم همه ما يشربه صباحاً، وإذا امسى كان معظم همه ما يشربه مساء. والصبوح: ما يصطبح به، اسماً له. والغبوق: ما يغتبق به. يريد أن الفتوة ليس في إعداد الأطعمة والأشربة، وإعطاء النفس مناها منهما، لكن الفتوة هو السعي غدواً ورواحاً في جر ضرر على منابذ مداج، أو جلب نفع إلى ناصح مواخ.
لنا إبل لن تهن ربها ... كرامتها والفتى ذاهب
هجان تكافأ فيها الصديق ... ويدرك فيها المنى الراغب
ونطعن عنها نحور العدى ... ويشرب منا بها الشارب
قوله لنا إبل لم تهن ربها كرامتها، يريد: أنا نوئر إكراماً للنفوس وصيانتها على إكرام المال وصيانته، لأن الأموال إذا لم تجعل واقية للنفس جلبت العار وكسبت