وقولهم غلبنا بني حواء، يريد أنا قهرنا الناس على طبقاتهم وتباين منازلهم رياسة وشرفاً، فلما جاء الدهر يغلبنا على ما نريده من استبقاء وبقاء، واستصلاح وصلاح، لم نستطيع دفعه، ولم نطق غلبته ومنعه. وانتصب قوله تعززاً على انه مصدر في موضع الحال، ولا يمتنع أن يكون مفعولاً له.
ولا لأدوم قدري بعج ما نضجت ... بخلاً لتمنع ما فيها أثافيها
لا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربت ... ولا أقوم بها في الحي أخزيها
ولا أكلمها إلا علانية ... ولا أخبرها إلا أناديها
قوله لا أدوم يريد لا أطيل إدامة قدري بعد إدراكها على الأثافي، بخلاً بما فيها، ولتمنعها عن طلابها أثافيها. جعل المنع للأثافي، لأنها لما لم تغرف ما دامت منصوبة على الثافي جعل الفعل لها، كأنها هي المانعة. وانتصب بخلاً على التمييز أو على الحال إن شئت. ويقال: أدمت الشيء، إذا سكنته ودومته أيضاً. والماء الدائم: الساكن الذي لا يجري، وكأن البخيل منهم يفعل ذلك ليرى أن القدر لم تدرك، وأن ما فيها لم نضج، انتظاراً لمن تأخر عنه ويوجب الحال حضوره. وقوله لا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربت، يريد أنه يشركها في فصل نعمته بعج دنوها من داره، وأنه لا يطلب عثراتها ولا يقبح آثارها، فلا يقوم بذكرها في الحي مخزياً لها. وقال بعضهم: أراد لا أحكي عليها قبيحاً. يقال: قام بي فلان وقعد، أي نثا عني قبيحاً. وقوله أخزيها يجوز أن يكون ألف النقل دخل على خزي خزياً من الهوان، ويجوز أن يكون دخل على خزي خزاية من الاستحياء، وذاك لأنها إذا ذكرت بالقبيح أو شهرت بما تستره وكشفت، فقد تستحيي كما تذل، أو تذل كما تستحيي.
وقوله ولا أكلمها إلا علانية انتصب علانية على أنه مصدر في موضع الحال، وكذلك قوله إلا أناديها، الجملة في موضع الحال، ونظام الكلام يقتضيه أن يقول: ولا اخبرها، إلا أنه لما كان الغرض إلا منادياً لها، ناب الفعل عن المصدر، ولا يجوز في علانية أن يكون تمييزاً، بدلالة أن الصدر يجب أن يكون