قال: " في سعي دنيا طال ما قد مدت " ووجه التنكير فيها وفي آخره أن يراد أجر عائد في أمد من آماد الآخرة، ومنفعة في مثله من الدنيا، وكان الواجب أن يقول ومنفعة لدنيا، حتى يكون لفق الأول فيما ساقه من الكلام، وتفسيراً لما قسمه من مصارف المال، إلا أنه رمى بالكلام على ما ترى لما لم يلتبس.
أرى الخلان بعد أبي خبيب ... وخجر في جنابهم جفاء
من البيض الوجوه بني سنان ... لو أنك تستضيء بهم أضاءوا
لهم شمس النهار إذا استقلت ... ونور ما يغيبه العماء
هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
الجناب: ناحية القوم. ويقال: فلان رحب الجناب، كأنه استجفى نبوهم فعتب عليهم، ثم أخذ يمدحهم ويستعطفهم، فيقول: أجد الأصدقاء بعد هذين الرجلين يجفو جنابهم عني وينبو جانبهم، وهم من القوم الكرام الغر الوجوه، أذكر بني سنان. فقوله بني سنان يجوز أن ينتصب على المدح والاختصاص، ويجوز أن يجعل مجروراً على البدل من البيض الوجوه. وإنما وصفهم بنقاء الحسب وانتفاء العار والعيب من الذمم. قال: فلو استضأت بنور وجوههم لأضاءوا في بهم الظلم، فلهم مننور الكرم مثل شمس النهار إذا ارتفعت وعلت، ومثل نور الليل لا يستره ظلام، ولا يخفيه عماء، وهو الغيم الرقيق، ومثل نور الليل الذي اكتسبوه، ويحميد أفعالهم شيدوه، المعلى يعني المرفع، إلى أبعد الغايات، وأقصى النهايات. ويجوز أن يكون أراد القدح المعلى، لأنه أشرف القداح وأكثرها أنصباء، فجعله مثلاً لأرفع المدارج وأسنى المراتب. وقوله ومن حسب العشيرة يريد به المتوارث، أي نزلوا منه حيث اختاروه وأحبوه. ومراده أنه جمع لهم بين المكتسب والمتوارث من الشرف ةالحسب. وأضاف الحسب إلى العشيرة لأنهم شركاء في التليد منه.