أسود ثخين على مناسمها فيصير كاللباس لها. والنجيع في الأصل دم الجوف، ويقال: تنجع به، أي تلطخ.
وقولها إني ورب الراقصات إلى منى أقسمت بالله مالك رواحل الحجيج وهي تسير إلى منى من جوانب الحرم وفيها الهدى المقلد. والهدى: ما يهدي إلى البيت، وكانوا يقلدونه ويجعلون في عنقه لحاء الشجر أو الصوف المفتول ليكون علامة لإهدائها.
وقولها أولى على هلك الطعام ألية هو جواب القسم، أي لا أولى، فحذف حرف للنفي ولم يخف الالتباس، لأنه لو أريد الإيجاب لوجب أن يقال: لأولين باللام وإحدى النونين، والمعنى لا أحلف على أن أصون طعامي ولا أطعم الناس، مدعية أنه قد نفد وهلك، ولكني أظهره وأنشد من أطعمه. ويجوز أن يريد بأنشد: أقول للزائر والماربي: أنشدك الله أن تفارق حتى تطعم. وقولها هديهن مقلد في موضع الحال للراقصات، وامتفى بضميرها في الجملة عن إدخال العاطف عليه، لأن الضمير يعلق الحال بما قبله كما يعلق حرف العطف. ومثله في القرآن: " سقولون ثلاثة رابعهم كلبهم "، والمراد بهديهن التكثير لا الواحد. وأبدا في المستقبل بإزاء قط في المضي.
وصى بها جدي وعلمني أبي ... نفض الوعاء وكل زاد ينفد
فأحفظ حميتك لا أبالك واحترس ... لا تخرقنه فأرة أو جدجد
تريد أن هذه الأفعال التي ذكرتها هي مورةثة عن الأسلاف، ومأخوذة عن عاداتهم، جدي وصى بها أبي، وأبي علمنيها فهم قدوتي، وهذه دأبي وسجيتي، أصب الزاد صبا، وأنفض وعاءه بعد أن أخليه نفضاً. والزاد كله لا يبقى وإن بخل به، فلماذا يكتسب الذم فيه. ثم أقبلت على من تذمه وتبخله فقالت متهكمة وساخرة منه: احفظ نحى سمنك لا أبالك - وهذا بعث وتحضيض - واحذر عليه الفأر والجدجدلا يقطعه.
وقد مر القول في قولهم لا أبالك وإعرابه. والفأر مهموز، ويقال مكان فئر، إذا كثر فأره.