بكى بكاء فيه نحيب وصوت، ضنا بمثلها، وتحزناً لما فات منها، ولأن لبنها كان يبقى على محاردة الإبل، وشدة اللزبة.
والعطب: الهلاك، ويقال: عطب البعير، إذا انكسر.
أمطيت جازرنا أعلى سناسنها ... فصار جازرنا من فوقها قتبا
ينشنش اللحم عنها وهي باركة ... كماتنشنش كفا قاتل سلبا
يقال: امتطيت البعير، إذا ركبت مطاه، وهو الظهر، وأمتطيته غيري. وإنما يصف إشراف الناقة التي وصفها، فيقول: ركبها جازرنا لما نحرها، إذ كان أعلى سنامها لم تصل يده فصار منها لما علاها بمكان القتب حتى كانها مقتبة. والسناسن: أعالي السنام والخارج من فقار الظهر، واحدتها سنسة. ومعنى ينشنش يكشف ويفرق. وقيل: النشنشة معاسرة الشيء حتى تأخذه كما تريد. يقول: ركب مطاها لما يبلغ سنامها لعظمها ولم يمكنه أن يكشط الجلد عنها، فأقبل يقطع اللحم عنها وينتزعه منها، فعل القاتل السالب لثياب المقتول وسلاحه. وهذا تشبيه حن جاء على حقه. ورواه بعضهم: كما تنشنش كفا فاتل سلبا، وقال: شبه نشنشته بنشنشة فاتل الحبل من السلب، وهو نبات يخرج على صورة الشمع وعلى قدره، فيجز ويفتل منه الحبل. وبائعها ومتخذها السلاب.
هكذا حكاه أبو حنيفة الدينوري، والرواية الأولى أجود وأكثر مشابه.
وقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدى بنيك فلن تلقبهم حقبا
أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد عمرت ولم أعرف لهم نسبا
أنا ابن محكان أخوالي بنو مطر ... أنمي إليهم وكانوا معشراً نجبا
قوله: لما غدوا أي هموا بالارتحال غدواً، لأن لما علم الظرف. وأوصى في موضع النصب على الحال، وتقديره: موصياً قعيدتنا. ومفعول قلت قوله غدي بنيك. والمعنى بالغي في تفقد أضيافك في هذه الغداة، فإن لقاءهم سيتأخر زماناً ممتداً. والحقب: السنون، واحدتها حقبة. والمعنى عدي الإحسان إليهم نهزة تفترصينها، وزاداً من اإحسان تدخرينها، فإنه لا يدري متى تظفرين بأمثالهم، وهل يكون فيما بقي من الزمان لهم عودة إلينا.