وقال آخر:
أراني في بني حكم غريباً ... على قتر أزور ولا أزار
أناس يأكلون اللحم دوني ... وتأتيني المعاذر والقتار
قوله على قتر أي على حرف. ويقال قتر وفتر. ويقول: ليس فيهم تمكن، لغربتي. والفتر والقطر والحرف والجانب تتقارب. وقد استعمل الحرف استعمال القتر، بل هو أشهر في هذا المعنى، وأكثر تصرفاً، يقال: هو على حرف من أمره، أي انحراف، وانحرفت بهم دنياهم، ومالي عن كذا محرف، أي مصرف ومنتحي. وفي القرآن: " ومن الناس من يعبد الله على حرف ": وإنما وصفهم بأن من جاورهم يسيئون عشرته ولا يرون له ما يراه لهم من قضاء ذمام، وإيجاب حق، بل يطرحونه ويهملونه. وقوله وتأتيني المعاذر، أراد ريح عذراتهم وأفنيتهم، فحذف المضاف. والقتار، أي وتأتيني ريح اللحم المشوي. وقيل في المعاذر: إنها جمع معذرة. والأول أبلغ. والمعاذر والعاذرة والعذرة: الحدث، وقد أعذر، أي أحدث. ويرتفع أناس على أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه أراد: هم أناس، وقد وصفوا بجملتين. وقدكان يجب أن يقول: وتأتيني المعاذر والقتار منهم، فحذف الضمير، ويجوز أن يكون وتأتيني على الاستئناف.
وقال آخر:
ما إن في الحريش ولا عقيل ... ولا أولاد جعدة من كريم
ولا البرص الفقاح بني نمير ... ولا العجلان زائدة الظليم
أولئك معشر كبنات نعش ... رواكد لا تسير مع النجوم
يعني بزائدة الظليم الخف، لأنه لا يكون للطير. أي هم زيادة في الناس بمنزلة تلك الزائدة في الظليم. وقوله أولئك معشر كبنات نعش، يريد أنهم لا ينهضون لا كتساب مكرمة. ولا يقومون لاجتلاب منقبة، فهم لا خير فيهم يلزمون مضاجعهم كسلاً وقصر همة، ورضى بأدنى الهمتين وأسقط العيشتين. والعرب تسمى من كان كذلك ضاجعاً وضجيعاَ وضجعة. وبنات نعش ليست من النجوم السيارة، فلذلك شبهه بها.