رامة: هضبة. يذكره ضيق أقطار الأرض عليه، فيقول: إنك حينئذ مت أشرفت في رأس هذه الهضبة تخاشعت وتذللت، لاستشعارك الخوف الشديد، واستظهارك بالاتقاء من أعدائك البليغ. والخائف هذا دأبه وعادته. على أنهم - يعني أصحابه - لو طاوعوني في هذا اليوم وقبلوا نصحي، وعملوا برأي، لأسلمت لقيس فروجكم، وهي مواضع المخافة، ومقاتلكم. والمعنى: كنا نخذلكم ونسلمكم حت يتمكن القتل منكم، وتعلو سمة الذل على أحوالكم. وإنما قال هذا لأن القيسية كانت تدعو إلى ابن الزبير، وكلب تدعو إلى المروائية، وكان الناس يومئذ إنما يعرفون بالبحدلية أصحاب مروان، والزبيرية، وهم أنصار ابن الزبير. لذلك قال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان:
وما الناس إلا بحدلي على الهدى ... وإلا وبيري عصى فتزبرا
وقال جواس أيضاً:
صبغت أمية بالدماء رماحنا ... وطوت أمية دوننا دنياها
أأمي رب كتيبة مجهولة ... صيد الكماة عليكم دعواها
كنا ولاة طعانها وضرابها ... حتى تجلت عنكم غماها
يقول: استنصرنا أمية ودافع الأعداء بنا، وعرضنا للقتل والقتال، والضراب والطعان، حتى رويت قناتنا من دماء مجاذبيهم، والمتكرهين لأيامهم ومقاصدها، استبدوا بطي الدنيا وزيها، والفوز بها وبأعراضها من دوننا. ثم أخذ يخاطبها فقال: يا أمية، رب كتيبة مجهولة الشان، لم ندر كيف يدفع في وجهها. ولا من أين يصرف شرها، متكبرى الأبطال، بهم الشجعان، دعواها عليكم لا لكم، ودفاعها فيكم لا عنكم، تولينا مطاعنتها ومكافحتا، وافترضنا على أنفسنا دفعها. ويجوز أن يكون المراد بقوله مجهولة أنا لا نعرفها، ولا مجاذبة بيننا وبينهم ولا معاملة، فهي مجهولة لنا، اتخذنا كالأعداء لنا في هواكم ونصرتكم. أما قوله صيد الكماة فإنما جمع فقال صيداً، حملاً على معنى الكتيبة، ولو حمل على اللفظ لقال: رب كتيبة صيداء الكماة. والصيد يستعمل على وجهين: يقال: ملك أصيد، أي متكبر لا يلتفت إلى الناس يميناً ولا شمالاً. وحكى الخليل أن الصيد ذباب يدخل في أذن البعير فيقلق له،