بجابية الجولان لولا ابن بحدل ... هلكت ولم ينطق لقومك قائل
يعاتب عبد الملك بن مروان، وذلك أنه لما قتل ابن الزبير وسكنت الحرب وصفا له الأمر: أقبل يتألف قيساً وهو اعداؤه، ويوحش بني كلب على أعماله، وجعل أبدالهم من قيس، فقال جواس: يا عبد الملك، ما حمدت بلاءنا في نصرتك، ولا قابلت انقطاعنا إليك وسعينا ببعص ما وجب لنا عليك، فكل من دنياك في سعه الأمن وظل الهدو ما أنت آكله، لا مدافع لك ولا معترض عليك، فلولا ابن يحدل وقيامه بأمرك بجابية الجولان لهلكت ولم ينطق لقومك قائل، أي لم يكن فيهم خليفة يخطب على منبر فيدعو ويدعي له. وتعلق قوله بجابية الجولان بقوله ما شكرت بلاءنا. وهلكت جواب لولا، وخبر المبتدأ محذوف، وقد مر أمثاله.
فلما علوت الشأم في رأس باذخ ... من العز لا يسطيعه المتناول
نفحت لنا سجل العداوة معرضاً ... كأنك مما يحدث الدهر جاهل
يقول: فلما ملكت المطلوب وأدركت المأمول، واستويت على الشأم في عز باذخ وجد صاعد، لا يقدر على تناول مثله أحد بأمل أوهمة، اطرحتنا وأعرضت عنا، معطياً سجل العداوة لنا، كأنك جاهل بالدهر وفعلاته، وحوادثه وملماته. ومن روى: كأنك مما يحدث الدهر، يريد كأنك مماا أحدثه الدهر لك من الرياسة جاهل. أي اغتررت فكأنك استحدثت جهالة. ويروى: كأنك عما يحدث الدهر غافل فجاهل يجري مجرى غافل. وهذا يجري مجرى الوعيد. أي لا تأمن غير الأيام ومعاودتك ما يحتم عليك بالفقر إلينا ثانياً.
وفي هذه الطريقة ما أنشدته لمحمد بن غالب:
فتى مسمع أنت من مسمع ... بحيث السويداء والناظران
ملكت فأسجح وزع بالزمام ... وخف ما يدور به الدائران
وكنت إذا أشرفت في رأس رامة ... تضاءلت إن الخائف المتضائل
فلو طاوعوني يوم بطنان أسلمت ... لقيس فروج منكم ومفاتل