وكقول أبي تمام:
تعليقها الإسراج والإلجام
تضلءلتم منا كما ضم شخصه ... أمام البيوت الخارىء المتقاصر
ترى الجون ذا الشمراخ والورد يبتغي ... ليالي عشراً وسطنا وهو عائر
قوله تضاءلتم أن تصاغرتم منا وانزويتم، لفشلكم وذهاب منتكم، كما يفعله المتغوط أمام البيوت إذا استولى عليه الخجل لما يريده من قضاء الحاجة، فهو يتقاصر ويخفي شخصه لائلا يرى. وهذا التشبيه في المنخزل وقد مسه الحياء والخجل غاية.
وقوله ترى الجون ذا الشمراخ يريد به ذا الغرة السائلة على النف، والشمراخ من الجبل: المستدق الطويل، على التشبيه. والعائر: المختلف، والسهم العائر من هذا. يقول: إنا لكثرتنا واتساع منادحنا وأفطارنا، لو أفلت فينا فرس أدهم ذو غرة سائلة - وجعله كذلك ليكون أشهر أمراً وأقل خفاء - وفرس ورد أغر أيضاً، ثم طلب عشر ليال فيما بيننا لما ظفر به.
ولما رأينا لئاماً أدقة ... وليس لكم مولى من الناس ناصر
ضمناكم من غير فقر إليكم ... كما ضمت الساق الكسير الجبائر
وصف حالهم القديمة معهم، وكيفية اتصالهم بهم وانعطافهم عليهم حتى أبطرهم ذلك، فاستعصوا عليهم، ووسوست نفوسهم إليهم بالاستغناء عنهم، والاكتفاء من دونهم. فيقول: لما رأيناكم أدنياء في أنفسكم، أدقاء في أحوالكم لا ناصر لكم، ولا مدافع دونكم، تعطفنا عليكم لنرفع خسيستكم، رحمة لكم، وضمناكم إلى أنفسنا من غير حاجة إليكم ولا تكثر بكم، لنجبر كسركم، ونوفر نقصكم كما تضم العصائب التي يعصب بها الكسر، والجبائر التي يسوى بها العظم الكسير المجبور. وهذا من التشبيه الصائب، والكلام المتخير. والأدقة: جمع الدقيق، وهو الرجل