هلا قال كما قال العباس بن مرداس:
أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها
قال الشيخ: وليس الأمر كما توهم، لأن ما ذكره عمروٌ وعنترة بيان حال النفس، ونفس الجبان والشجاع على طريقةٍ واحدةٍ فيما يدهمها عند الوهلة الأولى، ثم يختلفان: فالجبان يركب نفرته، والشجاع يدفعها فيثبت. فأما قول العباس ابن مرداس فليس مما ذكراها بسبيلٍ، وإنما هو بيان الحالة الثانية وما يعزم عليه بعد الاعتصام والمراجعة والتمسك. فاعلمه الله إن شاء الله. قوله: أول مرةٍ وذات مرةٍ، لا يكونان إلا ظرفين؛ لأن مرةً ليس باسمٍ للزمان لازمٍ، وإنما هو مدخلٌ عليه. فإذا قلت مرةً فإنما حقيقتها فعلةً واحدةً، ويجوز أن يكون وقتاً واحداً. ويجوز أن يكون الفاء في فجاشت زائدةً، في قول الكوفيين وأبي الحسن الأخفش، ويكون جاشت جواباً للما. والمعنى: لما رأيت الخيل هكذا خافت نفسي وثارت. وطريقة جل أصحابنا البصريين في مثله أن يكون الجواب محذوفاً، كأنه قال: لما رأيت الخيل هكذا فجاشت نفسي وردت على ما كرهته فقرت، طعنت أو أبليت. ويدل على ذلك قوله: علام تقول الرمح يثقل ساعدي إذا أنا لم أطعن، فحذف طعنت أو أبليت لأن المراد مفهومٌ. وهذا كما حذفوا جواب لو رأيت زيداً وفي يده السيف! وعلى هذا الكلام على المذهبين في قوله تعالى: " حتى إذا جاءوها وفتحت " أبوابها، وفي قول امرئ القيس:
فلا أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبتٍ ذي قفافٍ عقنقل
وحذف الجواب في مثل هذه المواضع أبلغ وأدل على المراد وأحسن، بدلالة أن المولى إذا قال لعبده: والله لئن قمت إليك وسكت، تزاحمت عليه من الظنون المعترضة للوعيد ما لا يتزاحم لو نص من مؤاخذته على ضربٍ من العذاب. وكذلك إذا قال المتبجح: لو رأيتني شاباً وسكت، جالت الأفكار له بما لم تجل به لو أتى بالجواب.