ومما يطرد الشيطان الأذان؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين، أقبل، فإذا ثوِّب بالصلاة، أدبر فإذا قضى التثويب، أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)) (?).
قوله: ((إذا نودي للصلاة)) أي: إذا أذن.
قوله: ((أدبر الشيطان)) هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من خرقه أمر عظيم، واعتراه خطب جسيم، حتى يحصل له الضراط من شدة ما هو به؛ لأن الواقع في الشدة العظيمة من خوف وغيره؛ تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يحفظ نفسه فينفتح مخرج البول والغائط، ولما كان الشيطان - عليه اللعنة - يعتريه شدة عظيمة، وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، حتى يتوجه إلى الهروب، حتى لا يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل.
فإن قيل: ما الحكمة من أن الشيطان يهرب من الأذان، ولا يهرب من قراءة القرآن، وهي أفضل من الأذان؟ قيل له: إنما يفر من الأذان، وله ضراط لئلا يسمعه، فيحتاج أن يشهد بما يسمع إذا استشهد يوم القيامة؛ لأنه جاء في الحديث: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جن، ولا إنسان ولا شيء إلا شهد يوم القيامة)) والشيطان أيضاً شيء.