وقد ذكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره من كشف أسرار الباطنية، وهتك أستارهم، فإنه كان منهم من النفاة الباطنية الخرمية، وصاروا يحتجون في كلامهم وكتبهم بحجج قد ذكرها أرسطو وأتباعه من الفلاسفة، وهو أن الحركة يمتنع أن يكون لها ابتداء، ويمتنع أن يكون للزمان ابتداء، ويمتنع أن يصير الفاعل فاعلًا بعد أن لم يكن فاعلا، فصار هؤلاء الفلاسفة وهؤلاء المتكلمون كلاهما يستدل على قوله بالحركة.

فأرسطو وأتباعه يقولون: إن الحركة يمتنع أن يحدث نوعها بعد أن لم يكن، ويمتنع أن يصير الفاعل فاعلًا بعد أن لم يكن؛ ولأنه من المعلوم بصريح المعقول أن الذات إذا كانت لا تفعل شيئًا ثم فعلت بعد أن لم تفعل، فلا بد من حدوث حادث من الحوادث، وإلا فإذا قدرت على حالها وكانت لا تفعل، فهي الآن لا تفعل، فإذا كانت الآن تفعل، لزم دوام فعلها.

ويقولون: [قبل وبعد] مستلزم للزمان، فمن قال بحدوث الزمان لزمه القول بقدمه من حيث هو قائل بحدوثه.

ويقولون: الزمان مقدار الحركة فيلزم من قدمه قدمها، ويلزم من قدم الحركة قدم المتحرك ـ وهو الجسم ـ فيلزم ثبوت جسم قديم، ثم يجعلون ذلك الجسم القديم هو الفلك، ولكن ليس لهم على هذا حجة، كما قد بسط في موضع آخر.

وصار المتكلمون من الجهمية والمعتزلة والكُلابية والكُرَّامية يردون عليهم، ويدعون أن القادر المختار يرجح أحد المقدورين المتماثلين على الآخر المماثل له بلا سبب أصلًا، وعلى هذا الأصل بنوا كون الله خالقًا للمخلوقات.

ثم نفاة الصفات يقولون: رجح بمجرد القدرة، وكذلك أصل القدرية، والمعتزلة جمعت بين الأمرين. وأما المثبتة كالكُلابية والكُرَّامية فيدعون أنه رجح بمشيئة قديمة أزلية. وكلا القولين مما ينكره جمهور العقلاء.

ولهذا صار كثير من المصنفين في هذا الباب، كالرازي، ومن قبله من أئمة الكلام والفلسفة ـ كالشهرستاني ومن قبله من طوائف الكلام والفلسفة ـ لا يوجد عندهم إلا العلة الفلسفية، أو القادرية المعتزلية أو الإرادية الكلابية، وكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015