من الثلاثة منكر في العقل والشرع؛ ولهذا كانت بحوث الرازي في مسألة القادر المختار في غاية الضعف من جهة المسلمين، وهي على قول الدهرية أظهر دلالة.

واحتج أهل الكلام المبتدع بأنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها، ويقولون: لو وجدت حوادث لا أول لها، لكنا إذا قدرنا ما وجد قبل الطوفان وما وجد قبل الهجرة، وقابلنا بينهما، فإما أن يتساويا ـ وهو ممتنع ـ لأنه يكون الزائد مثل الناقص، وإما أن يتفاضلا، فيكون فيما لا يتناهي تفاضلًا وهو ممتنع، ويذكرون حججًا أخرى قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع.

وقد تكلم الناس في هذه [الحجة] ونحوها، وبينوا فسادها؛ بأن التفاضل إنما يقع من الطرف المتناهي لا من الطرف الذي لا يتناهي، وبأن هذا منقوض بالحوادث المستقبلة، فإن كون الحادث ماضيًا أو مستقبلًا أمر إضافي؛ ولهذا منع أئمة هذا القول ـ كجهم والعلاف ـ وجود حوادث لا تتناهي في المستقبل، وقال جهم: بفناء الجنة والنار، وقال العلاف: بفناء الحركات، وهذا كله مبسوط في موضع آخر.

وصار طائفة أخرى، قد عرفت كلام هؤلاء وكلام هؤلاء ـ كالرازي والآمدي وغيرهما ـ يصنفون الكتب الكلامية، فينصرون فيها ماذكره المتكلمون المبتدعون عن أهل الملة من [حدوث العالم] بطريقة المتكلمين المبتدعة هذه، وهو امتناع حوادث لا أول لها، ثم يصنفون الكتب الفلسفية كتصنيف الرازي [المباحث الشرقية] ونحوها، ويذكر فيها ما احتج به المتكلمون على امتناع حوادث لا أول لها، وإن الزمان والحركة والجسم لها بداية، ثم ينقض ذلك كله، ويجيب عنه، ويقرر حجة من قال: إن ذلك لا بداية له.

وليس هذا تعمدًا منه لنصر الباطل، بل يقول بحسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه. فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015