المحاسبي في كتاب [فهم القرآن] وغيره. بين فيه من علو الله واستوائه على عرشه ما بين به فساد قول النفاة، وفرح الكثير من النظار الذين فهموا أصل قول المتكلمين، وعلموا ثبوت الصفات لله، وأنكروا القول بأن كلامه مخلوق، فرحوا بهذه الطريقة التي سلكها ابن كلاب، كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، والثقفي؛ ومن تبعهم، كأبي عبد الله بن مجاهد، وأصحابه، والقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفرائيني، وأبى بكر بن فُوَرك، وغير هؤلاء.
وصار هؤلاء يردون على المعتزلة ما رده عليهم ابن كلاب والقلانسي والأشعري وغيرهم من مثبتة الصفات، فيبينون فساد قولهم: بأن القرآن مخلوق وغير ذلك، وكان في هذا من كسر سورة المعتزلة والجهمية ما فيه ظهور شعار السنة، وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، وإثبات الصفات والقدر، وغير ذلك من أصول السنة.
لكن الأصل العقلي الذي بنى عليه ابن كلاب قوله في كلام الله وصفاته، هو أصل الجهمية والمعتزلة بعينه، وصاروا إذا تكلموا في خلق الله السموات والأرض وغير ذلك من المخلوقات، إنما يتكلمون بالأصل الذي ابتدعه الجهمية ومن اتبعهم؛ فيقولون قول أهل الملة، كما نقله أولئك، ويقررونه بحجة أولئك.
وكانت محنة الإمام أحمد سنة عشرين ومائتين، وفيها شرعت القرامطة الباطنية يظهرون قولهم، فإن كتب الفلاسفة قد عُرِّبَتْ وعرف الناس أقوالهم. فلما رأت الفلاسفة أن القول المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، هو هذا القول الذي يقوله المتكلمون الجهمية ومن اتبعهم، ورأوا أن هذا القول الذي يقولونه فاسد من جهة العقل. طمعوا في تغيير الملة. فمنهم من أظهر إنكار الصانع، وأظهر الكفر الصريح، وقاتلوا المسلمين، وأخذوا الحجر الأسود، كما فعلته قرامطة البحرين. وكان قبلهم قد فعل بَابَكْ الخُرَّمِي مع المسلمين ما هو مشهور.