وإذا قيل: هو موجود واجب بنفسه، فهو ـ سبحانه ـ موصوف بالوجود والوجوب، فلا مشاركة بينه وبين غيره في شيء موجود، ولا هو مركب من جزأين، ولا صفات مقومة تكون أجزاء لوجوده، ولا نحو ذلك مما يدعي من التركيب الذي هو ممتنع في المخلوق، فهو في الخالق أشد امتناعًا.
ولكن لفظ التركيب مجمل يدخل عند هؤلاء فيه اتصاف الموصوف بصفاته اللازمة له، وليس هذا هو المعقول من لفظ التركيب، وهؤلاء أحدثوا اصطلاحًا لهم في لفظ التركيب لم يسبقهم إليه أحد من أهل اللغة، ولا من طوائف أهل العلم، فجعلوا لفظ التركيب يتناول خمسة أنواع:
أحدها: التركيب من الوجود والماهية؛ لظنهم أن وجود كل ممكن في الخارج غير ماهيته، ومتى أريد بجزء الماهية الداخل فيها يدخل في هذا المتصور، ويلازمها الخارج عنها ما يلزم هذا التصور، وهذان المعنيان هما ما يدل عليه اللفظ.
والثاني: التركيب من الجنس والفصل، كقولهم: إن الإنسان مركب من الحيوانية والناطقية، وقد يضمون إلى ذلك التركيب من المعنى العام والخاص، يسمى تركيبًا من جنس وفصل، أو من خاصة وعرض عام.
الثالث: التركيب من الذات والصفات، كمسمي الحي العالم القادر، وتركيب الجسم من أجزائه الحسية، عند من يقول: إنه مركب من الجواهر المفردة، أو تركيبه من الجزأين العقليين، عند من يقول: إنه مركب من المادة والصورة
وأما التركيب [الأول] و [الثاني] فنازعهم جمهور العقلاء في ثبوتهما في الخارج ويقولون: ليس في الخارج تركيب بهذا الاعتبار.
والتركيب [الرابع] و [الخامس] : فيه نزاع مشهور بين العقلاء، منهم من يثبت في الجسم أحد التركيبين، ومنهم من يقول ليس مركبًا لا من هذا، ولا من هذا
وأما [الرابع] فيوافقهم على ثبوته جماهير العقلاء، ما أعلم من ينازعهم فيه نزاعًا معنويًا، لكن حكي عن طائفة من أهل النظر، كعبد الرحمن بن كَيْسَان الأصم وغيره، أنهم نفوا الأعراض ولم يثبتوا الأعراض زائدة على الجسم، ونفوا كون الحركة زائدة على الجسم , وخالفهم الأكثرون في ذلك.
وهذاـ والله أعلم ـ نزاع لفظي، وهو أن مسمى الجسم هل يتناول الجسم بأعراضه أم تكون الأعراض زائدة على مسمى الجسم؟ وإلا فعاقل لا ينكر وجود الطعم واللون، والرائحة